عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: "إنَّ اللَّهَ يبعثُ لِهَذِهِ الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها" (صحيح أبي داود)
من وجهة نظري المتواضعة أن (معركة طوفان الأقصى) إنما قدَّرها الله تعالى لينفي عن الأمة خبثها وليجدد شبابها.
ومن وجهة نظري المتواضعة أيضًا أن صيحة "حلل يا دويري" التي أطلقها المجاهد مهند رزق جبريل عندما استهدف آلية صهيونية في منطقة (جحر الديك) وسط غزة لا تقل شهرة عن صيحة "وا إسلاماه" ولا صيحة "وا معتصماه"
إن المجاهد مهند رزق جبريل قد خاض الغِمار مُجاهدًا، وسار الطريق مُكابدًا ليثًا شجاعًا وقائدًا، ولا نزكي على الله أحدًا!
إن المجاهد مهند رزق الذي أطلق صيحة (حلل يا دويري) والذي انضم بعدها بأيام لقافلة "أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" لم يدرس في "أكاديمية ساندهيرست البريطانية"، ولا في "الأكاديمية العسكرية في كندا" ولكن صاغ الإيمان قلبه، وتملكت التضحية جوارحه، وأسر حب الشهادة في سبيل الله روحه فقدم للعالم كله درسًا يستعصي على النسيان، ولا يمكن للقادة العسكريين حول العالم أن يتجاهلوا تدريسه للأجيال.
الدويري يواجه آلة إعلامية صهيونية عالمية تمرست على بث الأكاذيب وطمس الحقائق وتزوير الأحداث، والرجل يفند كل ذلك تفنيدًا يصيب العدو الصهيوني في مقتل
إن صيحة "حلل يا دويري" إن دلت على شيء فإنما تدل على أن رجال المقاومة يتابعون ما يقوم به اللواء الدويري من تحليل للأحداث يشد من أزرهم ويرفع معنوياتهم وأنهم راضون عما يفعله تمام الرضى؛ فالدور الذي يلعبه اللواء والخبير العسكري والاستراتيجي الأردني (فايز الدويري) طوال (معركة طوفان الأقصى) لا يختلف فيه اثنان؛ فالرجل يحلل أحداث المواجهة وتفاصيلها تحليلًا مهنيًا احترافيًا يجعل من يشاهدونه يشعرون كأنهم في ميدان المعركة.
إنني لا أكون مبالغًا إذا قلت إن الدور الذي يلعبه اللواء (فايز الدويري) لا يقل أهمية عن دور قادة المقاومة في حجرة العمليات الرئيسة للمعركة فـ (الدويري) يواجه آلة إعلامية صهيونية عالمية تمرست على بث الأكاذيب وطمس الحقائق وتزوير الأحداث، والرجل يفند كل ذلك تفنيدًا يصيب العدو الصهيوني في مقتل.
وبهذا تكون صيحة (حلل يا دويري) أفضل تكريم وأعلى وسام للرجل، لم يحصل عليه غيره طوال عقود المواجهة مع العدو الصهيوني، وهذا فضل الله يوتيه من يشاء.
أولًا/ من هو اللواء فايز الدويري؟
- ولد اللواء "فايز محمد حمدي الدويري" في (إربد) بالأردن في 3 مارس من عام 1952م لأسرة ريفية تمتهن الزراعة، وتخرج من الكلية العسكرية في عام 1973، ثم انضم إلى سلاح الهندسة الملكي.
- حصل "الدويري" على ثلاث شهادات بكالوريوس، الأولى في (جامعة اليرموك) الأردنية، والثانية في (جامعة مؤتة) الأردنية، والثالثة في (جامعة بلوشستان) الباكستانية في تخصص العلوم العسكرية وإدارة الدفاعات الإستراتيجية.
- شارك الدويري في عملية نزع الألغام على الحدود الأردنية السورية وعمل كمدرس في كلية القادة والأركان.
- التحق "الدويري" بالقوات اليمنية في الفترة بين 1977 و1979 للمساهمة في تحصينات "باب المندب" وبناء "معسكر خالد" في (اليمن)
- تولى "الدويري" قيادة كتيبة للجيش الأردني خلال حرب الخليج.
- تقلد "الدويري" مناصب عدة، بما في ذلك مدير سلاح الهندسة الملكي، ثم آمرًا لكلية القيادة والأركان برتبة لواء.
- بعد تقاعد "الدويري" انضم إلى الجامعة الأردنية وحصل على درجة الدكتوراة وكان عنوان رسالته: "دور الجامعات الرسمية في تعزيز مفهوم الأمن الوطني"
- وقد ألف "الدويري" عدة كتب، ونشر عدة أبحاث، كما كتب العشرات من المقالات، وكلها تتعلق بالشأن السياسي في الشرق الأوسط عامة وقضية فلسطين خاصة.
- يُشارك "الدويري" في العديد من البرامج التلفزيونية، ويعمل على تحليل القضايا المتعلقة بنزاعات الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، وسطع نجمه بعد مشاركته المتميزة في تحليل أحداث (معركة طوفان الأقصى) على قناة الجزيرة.
الدويري: إنها لحظات الشرف حين أعلم أن المقاومين يتابعون ويثنون على ما أقدمه من جهد بسيط بل ولا يُذكر أمام أصحاب الفعل
ازدادت شهرة "الدويري" لتبلغ مداها في يوم 25 ديسمبر 2023م عندما خصّه أحد المجاهدين من كتائب عز الدين القسام في مقطع فيديو قائلًا "حلل يا دويري"، فاستجاب "الدويري" لصيحة المجاهد الفلسطيني بصيحة (حلل يا دويري) قائلًا عبر قناة الجزيرة "سأحلل"
كما نشر عبر منصة إكس (تويتر سابقًا): "أرفع رأسي وأشمخ وربما تكون أجمل لحظات حياتي حين سمعت المقاوم ينادي باسمي، إنها لحظات الشرف حين أعلم أن المقاومين يتابعون ويثنون على ما أقدمه من جهد بسيط بل ولا يُذكر أمام أصحاب الفعل"
وعندما سئل "الدويري" عن إحساسه عندما يتقدم لتحليل الأحداث في غزة، قال أنا أعيش الحدث لما أشاهده من عمل خارق للعادة، وبرغم أنفي كنت أشعر بالفخر والعزة، أنا دمي عربي، أنا مسلم، وفلسطين قضيتي، وهذا المقاتل أخي أو ابني، لذلك عندما أشاهد هذا الأمر البطولي أتحرك وجدانيًا وأنفعل، وتتغير قسمات وجهي، وتتغير نبرات صوتي"
أما عن ثقافته العسكرية فقال: "طبيعة عملي كمدرس ومدرب في الشأن العسكري جعلتني ملزمًا ببناء ثقافتي العسكرية، وهذا جعلني أدرس تاريخ الصراعات العسكرية من الإسكندر الأكبر حتى آخر حرب"، وعن سهام النقد التي تتهم "الدويري" بالتحيز للقضية الفلسطينية، قال: "أنا لا أقرأها مطلقًا، ولا أشغل نفسي بها ولا أملك ترف الوقت للرد على من ينتقد لمجرد الانتقاد فقط"، ومن أقوال "الدويري" إنه له رؤيته المستقلة وإنه لا يسمح بأن يوضع الكلام في فمه.
أطلق المجاهد صيحته واستمر في جهاده تاركًا العالم كله يُحلل تفاصيل هذا المشهد الذي لم يدرَّس قط في أية أكاديمية عسكرية ولم تتناوله الكتب
دروس من صيحة "حلل يا دويري"
إن من يحلل صيحة (حلل يا دويري) يجد أن بها من الدروس والمعاني ما يضمن الانتصار في أية معركة مهما كانت قوة الخصم وعتاده وعدته.
1. درس في البلاغة:
البلاغة هي فن الخطاب، وهي فن استخدام أقل الكلمات لإيصال المعنى كاملًا.
عندما استشهدت أسرة الصحفي وائل الدحدوح اختصر المشهد بكلمته البليغة: "معلش" فتناولتها وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي بالتحليل كما تتناول خطابات "أبو عبيدة"، وعندما استهدف أحد المجاهدين آلية من آليات الاحتلال وأصابها باحترافية غير مسبوقة صاح بأعلى صوته قائلًا "حلل يا دويري"، فاخترقت صيحته الأثير واستقرت في قلوب وأذهان الشرفاء حول العالم بشرقه وغربه، مسلميهم وغير مسلميهم!
أطلق المجاهد صيحته واستمر في جهاده تاركًا العالم كله يُحلل تفاصيل هذا المشهد الذي لم يدرَّس قط في أية أكاديمية عسكرية ولم تتناوله الكتب المهتمة بهذا الشأن، فأصبح حال هذا المجاهد مثل حال المتنبي حين قال:
أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها :: وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ
2. درس في الاقتصاد:
إن المجاهد الذي أطلق صيحة "حلل يا دويري" مثله مثل كل من هم معه في ميدان المواجهة لم يتلقَّ أحدهم تعليمه في أي من الأكاديميات العسكرية، ولم يُبتَعَث أحدهم لإحدى الأكاديميات العسكرية بالخارج ليتدرب على مثل هذه الهجمات ثم يعود ليضع عشرات النياشين على صدره فيصيبها الصدأ بدون أن يخوض مشهدًا واحدًا يترجم فيه ما تلقاه من تعليم وتدريب!
إن المجاهد الذي صاح "حلل يا دويري" ومن معه قد اختزلوا نفقات ابتعاثهم ودراستهم وتدريبهم، وهذا هو الاقتصاد الأمثل.
المجاهد الذي يتلقى تعليمه داخل المسجد ويتلقى تدريبه داخل النفق لا ينتظر تكريمًا من أحد لأن غايته إحدى الحسنين (إما النصر أو الشهادة)
3. درس في البطولة:
إن المجاهد الذي أطلق صيحة "حلل يا دويري" تلقى تعليمه على مائدة القرآن في أحد المساجد، وتلقى تدريبه الدقيق والقاسي داخل أحد الأنفاق، وهذه الأماكن علمته - ومن معه - معنى الإخلاص والرجولة والإقدام وقوة البأس والصبر في النوازل وشراسة المواجهة حتى أصبحوا قادرين على أن يمرَّغوا أنف العدو المحتل الغاشم في رمال غزة، بالرغم من فارق العتاد.
إن المجاهد الذي يتلقى تعليمه داخل المسجد ويتلقى تدريبه داخل النفق لا ينتظر تكريمًا من أحد ولا أن يُوضع اسمه في لوحة الشرف ولا أن يُطلق اسمه على شارع أو ميدان؛ لأن هذا المجاهد قد اتخذ شعاره في الحياة "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، وغايته إحدى الحسنين (إما النصر أو الشهادة)
إن كل ذلك يجعل المجاهد يشعر بالنشوة ويستعذب خطورة مواجهة آلية من آليات العدو وهو يعرف أن هذه الآلية مُزودة بأجهزة استشعار تجاه أي خطر يداهمها، وبرغم كل ذلك يسير وهو يحمل قذيفة ويضعها على جسم الآلية ثم يفجِّرُها!
إنها بطولة فريدة، بطولة حطمت كل النظريات العسكرية المتعارف عليها وستصبح نموذجًا يُدرَّسُ في أكبر الأكاديميات العسكرية في العالم، بطولة تذكرنا بمقولة أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عندما قام خالد بن الوليد - رضي الله عنه - بحصار "الحيرة" وطلب من أبي بكر الصديق مددًا، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: "لا يُهزم جيش فيه مثله"، وكان يقول: "لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل"
تحمل صيحة "حلل يا دويري" دلالة كبيرة على هشاشة العدو الصهيوني المحتل الغاصب الذي رسم لنفسه هالة من القوة فضحتها بسالة رجال المقاومة
4. درس في القيم والأخلاق:
إن صيحة "حلل يا دويري" وجدت صداها عند شباب الأمة؛ فقد اخترقت كل حواجز الفساد التي بناها أعداء الأمة من أجل القضاء على القيم والأخلاق وإشغال الشباب بتوافه الأمور، فجاءت صيحة "حلل يا دويري" لتكون نموذجًا للشجاعة والإقدام لدى الشباب ولتوقظ الشباب من غفلتهم وتجعل لهم قدوات صالحة غير التي قدمها لهم أعداء الأمة، لقد نزلت صيحة "حلل يا دويري" كالصاعقة على بنيان الفساد والعهر والانحلال الأخلاقي الذي بُنِيَ بمكر ودهاء على مدار عقود من الزمان!
5. درس في أهمية الإعلام
إن صيحة "حلل يا دويري" تحمل دلالة كبيرة على أهمية الإعلام في نصرة قضايا الأمة ونصرة المجاهدين والمرابطين، وتحمل صيحة "حلل يا دويري" دلالة كبيرة على هشاشة العدو الصهيوني المحتل الغاصب الذي رسم لنفسه هالة من القوة فضحتها بسالة رجال المقاومة وأثبتت أن هذه الهالة لا أصل لها.
وتحمل صيحة "حلل يا دويري" دلالة كبيرة أيضًا على أن رجال المقاومة يتابعون كل ما يحدث في وسائل الإعلام، وأنهم ليسوا بمعزل عن ردات الأفعال حول العالم، وأنهم يعلمون من يؤيدهم بصدق، ومن يؤيدهم بطرف لسانه وقلبه يُضمر غير ما يقول، ومن ينتقد أفعالهم ويطبع مع عدوهم.
إن صيحة "حلل يا دويري" تجعلنا نعيد النظر في مفهومنا للإعلام كما تجعلنا ندرك أن المنصة الإعلامية لا تقل أهمية عن منصة الصواريخ.
أخيرًا أقول
من فاتته غزوات الصحابة فليتابع ما يفعله رجال المقاومة في طوفان الأقصى، ومن لم يحالفه الحظ أن يجاهد مع المسلمين الأوائل فليجاهد مع هؤلاء بكل وسيلة ممكنة، وأقل الوسائل (التبرع والمقاطعة والدعاء)