أسوأ رمضان يمر على الأمة أم أسوأ أمة تمر على رمضان؟!

الرئيسية » بصائر من واقعنا » أسوأ رمضان يمر على الأمة أم أسوأ أمة تمر على رمضان؟!
أسوأ رمضان يمر على الأمة أم أسوأ أمة تمر على رمضان

كلمة قالها أحد مسؤولي العمل الحكومي في قطاع غزة، في تقريره اليومي عن المأساة الإنسانية التي قل نظيرها في التاريخ الحديث، قال: "لا ندري، هل هو أسوأ رمضان يمر على الأمة، أم أسوأ أمة تمر على رمضان؟!"

والحقيقة بالقطع: أنها أسوأ أمة تمر على رمضان؛ فلم يكن العيب في يوم من الأيام على مر التاريخ في الزمان، وإنما العيب دائمًا في الناس الذين يعيشون فيه.

وقد قال الشاعر في ذلك:

نعيب زماننا والعيب فينا :: وما لزماننا عيب سوانا

ونهجو ذا الزمان بغير ذنب :: ولو نطق الزمان لنا هجانا

منع الله سب الزمان، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر"، ومعنى الحديث ألَّا نسب الزمان، فإن الفعل لله لا للزمان، فكأن الذي يسب الزمان على أنه الفاعل، يسب الله من وراء ذلك؛ لأن الله هو الفاعل الحقيقي، وإذا كان سب الزمان محرمًا لأنه سب لله في الحقيقة، فعيب الزمان كذلك؛ لأنه عيب لله في الحقيقة.

لم نر في تاريخ أمة الإسلام، صورة بمثل هذه الصورة في وجيعتها وقبحها، بلد عربي مسلم يموت الناس فيها قتلًا وقصفًا وجوعًا، وبقية البلاد من حوله كأنها لا ترى ولا تسمع

وأكثر الذين يسبون الزمان أو يعيبونه، إنما يقصدون بذلك سب أهل ذلك الزمان وفعالهم وسيرتهم، فعندما يقول القائل: هذا زمان سوء، فإنما يقصد أن أهل الزمان أهل سوء، وأن فعالَهم فعال سوء، والذي يقول: لعنة الله على هذا الزمان، إنما يقصد أن يلعن أهل الزمان وأفعالهم.

لكن، يبقى سب الزمان وعيبه غير مشروع، وإن قصد الساب والعائب أهل الزمان، والمشروع له أن يتكلم عن أهل الزمان وأفعالهم تحديدًا.

وفي زماننا هذا، وفي رمضاننا هذا، نرى أننا أمام أسوأ أمة مرت على رمضان، على مر تاريخ الأمة الإسلامية، بقرونها وأجيالها.

لم نر في تاريخ أمة الإسلام، صورة بمثل هذه الصورة في وجيعتها وقبحها، بلد عربي مسلم يموت الناس فيها قتلًا وقصفًا وجوعًا، وبقية البلاد من حوله كأنها لا ترى ولا تسمع.

في الأزمنة الغابرة، لم تكن هناك وسائل الإعلام التي تنقل الصورة كما هي اليوم، ونحن اليوم نرى إخواننا في غزة وهم يموتون جوعًا، ثم لا نتحرك، ونعيش حياتنا كأننا لا نرى ولا نسمع.

يومًا، نقل للمعتصم رجلٌ صرخةَ المرأة التي قالت مستغيثة: وا معتصماه، فاستحلف المعتصم الرجل، هل سمعها بأذنيه تقول: وا معتصماه، فحلف الرجل له، فبعث المعتصم برسالة لملك الروم، ولما لم يستجب ملك الروم، جهز جيشه، ومضى إليه، حتى وصل للمرأة، وللرجل الذي آذاها، وأخذ لها حقها، ثم قال لها: هل أغثناك يا أختاه.

أما اليوم، فإن ملوكنا ورؤساءنا، يرون بأم أعينهم المشاهد في وسائل الإعلام كل يوم، ثم لا يتحركون، ولا هم يعبئون، بل ويشاركون في ذلك بحصار أهل غزة، ومنع المدد عنهم، بل يوصلون المدد الغذائي وغيره إلى العدو الصهيوني بطرق برية بديلة عن الطريق البحري الذي أصبح غير آمن بفعل الضربات الحوثية في البحر الأحمر.

الشعوب ترى ما يحدث كما يرى حكامها فلا يتحركون، ولو تحركوا فتظاهروا وثاروا لحركوا حكامهم بالإجبار، ولضغطوا على الكيان الصهيوني بالضغط على عملائه الحكام، فأوقف الحرب والمجزرة

وكذلك الشعوب ترى ما يحدث كما يرى حكامها فلا يتحركون، ولو تحركوا فتظاهروا وثاروا لحركوا حكامهم بالإجبار، ولضغطوا على الكيان الصهيوني بالضغط على عملائه الحكام، فأوقف الحرب والمجزرة.

في الأزمنة الغابرة، كانت الفجيعة تنزل بناحية من نواحي أمة الإسلام، فتتحرك النواحي الأخرى بالإعداد والتجهيز للمواجهة.

فلم تعرف أمة الإسلام على مدار تاريخها هزيمة كاملة شاملة مثل التي تعرفها اليوم، ولم تعرف خنوعًا وجبنًا كاملًا شاملًا مثل الذي تراه اليوم.

دخل التتار يومًا بلاد الإسلام من الشرق، فتجهز لهم الغرب الإسلامي، وهزمهم المصريون شر هزيمة في عين جالوت.

وقبلها دخل الصليبيون بلاد الشام، فتجهز لهم الشرق الإسلامي، بقيادة نور الدين محمود وعماد الدين زنكي، وهزموهم في جولات، ثم تجهز لهم المصريون من الغرب بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وهزموهم شر هزيمة في حطين.

أما أن تُهزم أمة الإسلام بشرقها وغربها كما اليوم، فهذا ما لم يحدث قط، وأما أن تخنع أمة الإسلام بشرقها وغربها كما اليوم، فهذا ما لم يحدث قط.

لم تُعرف خيانة الحكام وعمالتهم للعدو إلا في العصر الحديث، كان أكثر ما يعاب على حاكم، أن يخنع للعدو، ويستسلم له، أما أن يكون عميلا له، يعمل لمصلحته ويواليه، ويتآلب معه على إخوانه العرب والمسلمين، فهذا ما لم نسمع عنه من قبل في تاريخ العرب والمسلمين، وإن كان، فقد كان من النادر بحيث أن أكثرنا لم يسمع عنه.

أما أن تكون الخيانة من الحكام بهذا العموم، ولهذه الدرجة، فهو ما لم يكن قط، وأما أن تكون الاستكانة من شعوب العرب والمسلمين، بهذا العموم، ولهذه الدرجة، فهو ما لم يكن قط.

كمية القصف والتدمير، وعموم الحصار وإحكامه، وكذلك فجاعة التجويع، كانت تستلزم أن تهب الشعوب العربية والإسلامية، هبَّةً لا رجوع منها، إلا بإيقاف الحرب إيقافًا نهائيًا، وإعطاء أهل فلسطين حقوقهم الكاملة

أين شعوب العرب والمسلمين مما يحدث لإخوانهم، لقد استطاع حكام العرب والعملاء، أن يسكتوا الشعوب بالحديد والنار، فلم تعد الشعوب تستطيع أن تتحرك وتضغط.

الفاجعة التي تحدث، والتي قل مثيلها في العصر الحديث، فكمية القصف والتدمير، وعموم الحصار وإحكامه، وكذلك فجاعة التجويع، كانت تستلزم أن تهب الشعوب العربية والإسلامية، هبَّةً لا رجوع منها، إلا بإيقاف الحرب إيقافًا نهائيًا، وإعطاء أهل فلسطين حقوقهم الكاملة.

الضغط على حكام العرب هو ضغط في الحقيقة على الصهاينة والأمريكان؛ لأن هؤلاء هم رجالهم، الذين يحافظون عليهم لمصلحتهم الاستراتجية البعيدة.

كان الواجب أن تهب الأمة بشعوبها، ولا تتوقف هبتها ولا تهدأ إلا بوقف الحرب وإعطاء الحقوق، فنحن أسوأ أمة مرت على رمضان، حكامًا ومحكومين، والتاريخ سيكتب عنا، وسيسجل في سجلاته خيانتنا وعمالتنا وذلتنا للأجيال القادمة، وملائكة الله تسجل في سجلاتها كذلك، تلك الخيانة والعمالة والذلة، لتعرض على الله يوم القيامة، فيكون الحساب الكبير.

نتحدث ونتحدث ونتحدث، ثم لا نفعل شيئًا، ما الذي حدث لنا، لقد أصبحت أظن ظنًا كبيرًا، أن ما حدث في ثورات الربيع العربي، وما حدث بعدها في الانقلابات عليها (الانقلابات العسكرية الديكتاتورية الدموية) إنما كان الغرض منه، ضرب جماهير الأمة في مقتل، كي تتم كل المؤامرات بعد ذلك، على فلسطين وعلى غيرها، بدون أن تستطيع الأمة أن تنبس ببنت شفة.

أحرار الأمة الذين كانوا يقودون حركتها وثوراتها، أردتهم المؤامرة على ثورات ربيعهم العربي بين قتيل وأسير وطريد.

اليوم نعلم، كم كان هؤلاء الأحرار، قلب الأمة النابض، ودماءها الجارية في العروق، وبغير وجودهم أصبحت الأمة في موات، لا قلب لها ينبض، ولا دماء تجري.

نتحدث ونتحدث ونتحدث، ثم لا نفعل شيئًا!

يا أمة الإسلام تلك دياركم :: والعار للأقلام والأقوال

يا أمة الإسلام تلك دماؤكم :: والمجد للإقدام والأفعال

يا أمة الإسلام ذاك عدوكم :: هو أفجر الفُجّار والضُلّال

يا أمة الإسلام ذلك أوّلٌ :: فإذا انتهى يومًا فثَمّ التالي

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

الزواج وقت الحروب وفي مخيمات اللاجئين

يا عباد الله جئناكم نُهَنِي فاسمعوا إن شرع الله في الأفراح أن تتمتعوا لا بفحش …