يا عباد الله جئناكم نُهَنِي فاسمعوا
إن شرع الله في الأفراح أن تتمتعوا
لا بفحش القول يلقيه الخبيث المائع
بل بأقوال كِرام طيِّبات تنفع
كم نحن بحاجة إلى الحب خاصة في زمن النَّكبات؛ فالحب يعكس إنسانية الإنسان، وهو قطرة الماء الباردة على القلوب الذابلة الجامدة التي أدمنت المطاردة والخوف والحروب، والزواج هو حلم كل شاب وفتاة، وهو الذي يجعل الإنسان يتشبث بالحياة بالرغم من أن كل ما حوله ينذر بالموت؛ لأن هناك ما يستحق أن يحيا الإنسان من أجله.
والزواج من سنن الفطرة، ومن الأمور التي يؤكد عليها الشرع ويُرغِّب فيها ويحث عليها ويأمر بتسهيل كل متطلباته؛ لتتحقق المقاصد التي من أجلها شرع الزواج.
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]
وقال ﷺ: "مَن أحبَّ فِطْرتي فلْيَسَتَنَّ بسُنَّتي، ومِن سُنَّتي النِّكاحُ" (أخرجه أبو يعلى والبيهقي)
ورغب الشرع في الزواج للحد الذي جعل الشرع يُقدِّم الزواج على فريضة الحج بالنسبة للشاب؛ فالزواج يحمي الشباب من الوقوع في الفاحشة، ويحفظ الأنساب، ويصون الأعراض، ويُكثر سواد المسلمين.
والزواج له فوائد جمَّة جمعها الإمام الغزالي - رحمه الله - في قوله: "إن للزواج فوائد عدة وهي: "الولد، وكسر الشهوة، وتدبير المنزل، وكثرة العشيرة"
الشرع يُقدِّم الزواج على فريضة الحج لأنه يحمي الشباب من الوقوع في الفاحشة، ويحفظ الأنساب، ويصون الأعراض، ويُكثر سواد المسلمين
أولًا/ فوائد الزواج من منظور الشرع
عندما شرع الإسلام الزواج ورغّب فيه وحث عليه وأمر بتسهيل كل متطلباته فإنما كان ذلك لأهميته وفائدته، ومن بين فوائد الزواج من منظور الشرع، ما يلي:
• تلبية أمر الشرع في تحقيق السكينة والمودة والرحمة.
• غض البصر وإحصان الفرج.
• تهذيب الرغبات وتصريفها في إطار شرعي "فَهَلَّا بكْرًا تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُكَ"
• صون الشباب من الانحراف وصون المجتمع الإسلامي من الآفات والأمراض.
• تحقيق الاستقرار النفسي الذي يساعد على التركيز لتحقيق أهداف مستقبلية نبيلة.
• تعزيز القدرة على تحمل المسؤولية.
• تحصيل العون الإلهي والبركة في البدن والرزق، "ثلاثةٌ حقٌّ على اللَّهِ عونُهُم: المُجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ، والمُكاتِبُ الَّذي يريدُ الأداءَ، والنَّاكحُ الَّذي يريدُ العفافَ" (صحيح الترمذي)
• إنجاب الذرية وتوطيد العلاقة بالأبناء والاستمتاع بهم والاعتماد عليهم مُستقبلًا.
• تقوية وتعزيز الأواصر الاجتماعية.
• نيل الدرجات بحسن تربية الأبناء وبالسعي والنفقة على الزوجة والأبناء، ودوام الذكر والأثر وعدم انقطاع العمل بعد الموت.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له" (صحيح مسلم)
الزواج بالنسبة للشباب اللاجئين هو قطرة الماء الباردة على القلوب الذابلة الجامدة التي أدمنت المطاردة والخوف والحروب
ثانيًا/ الزواج في مخيمات اللاجئين
شهدت مخيمات النازحين السوريين آلاف الحالات لزواج الشباب السوري والفلسطيني من شابات سوريات وفلسطينيات.
ففي (مخيم الزعتري لللاجئين السوريين في الأردن) هناك عدة آلاف من حالات الزواج منذ أن تأسس عام 2012م حيث يأوي أكثر من 120 ألف من اللاجئين السوريين.
يقول الحاج محمد أحمد الحريري "خطيب جامع مخيم الزعتري" المسؤول عن إتمام عقود الزواج داخل المخيم: "دخلت المخيم قبل عام تقريبًا وبمعيتي أسرتي المكونة من 8 بنات و4 من الشباب ولأنني أب وأرغب لبناتي الستر وجدت أن المخيم ليس فيه جهة رسمية لإتمام زواج السوريين داخل المخيم وأن هناك كثيرًا من الأسر في المخيم ترغب في ستر بناتها مثلما كثير من الشباب والشابات الحريصين على التعفف من خلال الزواج، فوهبت نفسي تطوعًا لوجه الله بكتابة العقود يدويًا بعد ذلك أعددت نماذج عقود زواج «مطبوعة» بالصيغة الشرعية وبحسب العقود التي كانت تعقد بموجبها زيجات أبناء البادية في سورية وأدوّنها في سجل توثيق خصصته لهذه العقود فيما لو استدعى الأمر، يكون مرجعًا لي، وأضاف: حينما أجد المهر مبالغًا فيه وفوق طاقة الزوج أسعى إلى محاولة تخفيضه على الزوج خصوصًا في ظل الأوضاع التي نعيشها حاليًا.
زواج النازحين يثبت للعالم أن هدم البيوت وفقدان الأحبة ليس معناه نهاية الحياة بالنسبة لهم وفي الحياة ما يستحق أن يفرحوا به ويعيشوا من أجله
ثالثًا/ لماذا الزواج في مخيمات اللاجئين؟
إن حياة اللاجئين مليئة بالصعوبات والأسى، فالموارد معدومة والإمكانات محدودة والذكريات مؤلمة ولو أن الإنسان استسلم لكل ذلك لمات كمدًا، لذلك فالزواج بالنسبة للشباب اللاجئين - كما قلنا - هو قطرة الماء الباردة على القلوب الذابلة الجامدة التي أدمنت المطاردة والخوف والحروب.
وتكمن أهمية الزواج في مخيمات اللاجئين في أمور كثيرة نذكر منها:
1. يربط النازحون على قلوب بعضهم البعض ويستقوون بذلك على مواجهة عدوهم.
2. يوقع اللاجئون – بالزواج في مخيمات اللجوء - الحسرة في قلب عدوهم الذي يتلذذ بآلامهم ويظن أنهم إن لم يموتوا في المخيمات بسبب نقص مقومات الحياة سيموتون كمدًا.
3. زواج النازحين يعطي مثالًا عمليًا أن الحب والحياة في ظل قضية عادلة ونضال شريف أقوى من مدافع العدو وطائراته.
4. زواج النازحين يثبت للعالم أنهم بشر لهم كامل الحق في الفرح والحياة وليسوا مجرد أرقام وإحصاءات في سجلات اللاجئين ولا في سجلات المصابين والوفيات.
5. زواج النازحين يثبت للعالم أن هدم البيوت وفقدان الأحبة ليس معناه نهاية الحياة بالنسبة لهم وأنهم لن يقضوا بقية حيواتهم حُزنًا على ما فقدوه؛ فهناك في الحياة ما يستحق أن يفرحوا به ويعيشوا من أجله.
6. يتزوج النازحون برغم كل ما يحيط بهم من أسباب الموت وأسباب الحزن ليثبتوا للعالم أن إرادتهم أقوى من رصاص عدوهم الذي يود هلاكهم.
7. ويتزوج النازحون لكي يفهم العالم أنهم ما وقفوا في وجه العدو زهدًا في الحياة، بل وقفوا في وجه العدو أملًا في إحدى الحسنيين.
فإما حياة تسر الصديق :: وإما ممات يغيظ العدى
وهنا يجب أن ننوِّه ونقول إذا كان زواج النازحين برغم كل ما يحيط بهم من أسباب الموت أمرًا مُستهجنًا بالنسبة للبعض فهل سيظل استهجانهم للأمر لو عرفوا أن أحد الصحابة قد تزوج وهو في ميدان المعركة!
إذا كانت رحى الحرب تقتل جيلًا فعلينا أن نهيئ لأصلاب الأحرار ولأرحام الحرائر الفرصة لكي يُعوِّضوا الأمة بغيره من الأجيال
رابعًا/ زواج صحابي في ميدان المعركة
أخبرتنا كتب السير والمغازي والحروب أن الصحابي الجليل خالد بن سعيد بن العاص - رضي الله عنه - تزوج من الصحابية الجليلة أم حكيم بنت الحارث - رضي الله عنها - أثناء حرب المسلمين مع الروم في فتح الشام.
روى عبد الحميد بن جعفر، عن أَبيه، قال: "أراد خالد - بن سعيد - أَن يعرّس بأم حكيم فجعلت تقول: لو أَخَّرْت الدّخول حتى يفضَّ الله هذه الجموع، فقال خالد: إِن نفسي تحدّثني أني أُصاب في جموعهم، قالت: فدونك، فأعرس بها عند القنطرة التي بالصفّر، فيها سُمِّيَت قنطرة أُم حكيم، وأَوْلَم عليها، فدعا أصحابه على طعام، فما فرغوا من الطّعام حتى صفّت الرّوم صفوفَها صفوفًا خَلْف صفوف، وبرز رجل منهم مُعْلَم يدعو إلى البراز، فبرز إِليه أَبو جندل بن سهيل بن عمرو، فنهاه أَبو عبيدة، فبرز حبيب بن مسلمة فقتله حبيب، ورجع إلى موضعه، وبرز خالد بن سعيد فقاتل فَقُتِلَ، وشدت أُم حكيم عليها ثيابها وتبدَّت وإِنَّ عليها أَثر الخلوق (الطيب)؛ فاقتتلوا أَشدّ القتال على النّهر، وصبر الفريقان جميعًا وأَخذت السِّيوفُ بعضها بعضًا، وقَتَلَتْ أُم حكيم يومئذ سبعة بعمود الفسطاط الذي بات فيه خالد معرِّسًا بها»
ظلت أم حكيم - رضي الله عنها - مجاهدة وصابرة ومحتسبة، وتقدم للزواج منها سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وتزوجها، وعاشت معه فترة قصيرة، وتوفيت بعد ولادتها لابنتها فاطمة بنت عمر بن الخطاب، فنالت درجة الشهداء؛ لأنها ماتت في فترة النفاس.
أخيرًا أقول:
إن زواج النازحين في مخيمات اللاجئين يجب أن ننظر إليه نظرة شرعية وإنسانية، كما يجب علينا دعمه بكل ما نستطيع من سُبل الدعم المادية والمعنوية، ولا نكون أقل شأنًا من دول الغرب التي أيدت وباركت حالات الزواج بين جنود الجيش الأوكراني أثناء حربه ضد روسيا؛ فبحسب بيان أصدرته وزارة العدل الأوكرانية بشأن حالات الزواج والمواليد، فإنه منذ بداية العملية الروسية ضد أوكرانيا، سُجِّلت 3973 واقعة زواج، ومولد 4311 طفل.
وأقول:
• إذا كان هناك من الزوجات من فقدت زوجها ومُعيْلها، ومن الفتيات من فقدت أسرتها بكاملها؛ فلمثل هذه الحالات أقر الشرع تعدد الزوجات!
• وإذا كانت رحى الحرب تقتل جيلًا فعلينا أن نهيئ لأصلاب الأحرار ولأرحام الحرائر الفرصة لكي يُعوِّضوا الأمة بغيره من الأجيال.