رمضان أقبل فبأي قلب ستلقاه؟!

الرئيسية » بصائر تربوية » رمضان أقبل فبأي قلب ستلقاه؟!
رمضان أقبل فبأي قلب ستلقاه؟!

تمر أمتنا على الصعيد العام بظروف يندى لها الجبين، وأما على الظرف الخاص والذي يتناول القضية الكبرى - قضية فلسطين - والمرتبطة ارتباطًا عقديًّا لملياري مسلم؛ فالمشهد في متناول الجميع صوتًا وصورةً وواقعًا تتقطع له أوصال القلب وتتشرب الروح فيه الحزن بل وتقتات عليه صبح مساء على الطفولة المغتالة وضعف النساء والعجائز الذي لم يُرحم، وكرامة الشباب التي تسفك على مرأى التقدم الحضاري والعالم الذي يدّعي الإنسانية وحامي حقوقها إدعاءً يتلفظ به اللسان ليكذبه الواقع والحقائق صبح مساء.

ويُقبل شهر رمضان بكل ثوانيه ودقائقه وأيامه العظيمة شهر يغاث فيه الناس، يُقبل علينا في وسط أزمة لم تمرّ على أحدنا مرور الكرام وإنما أعادت تشكيل قناعات كثير منا وأحدثت فينا من التغيير ما لم ينكره بشر، بل يأتي رمضان ليكون مرآة نقف أمامها بكل شفافية وتجرد لنبصر من خلالها حقائق قلوبنا ونفوسنا وأعمالنا وقناعاتنا، هل كان التغيير الذي أحدثته الظروف السابقة تغييرًا إيجابيًا على المستوى المقبول والمعقول، أم أنّ هناك من ما يزال يرقد في غفوته ويهيم في سباته، وكأنّ لا شأن يربطه بأحداث أمته ووطنه وإخوته في العقيدة والوطن بل وفي الإنسانية؟!

رمضان فرصة لتعيد صياغة فكرك وقلبك وسلوكك وفق مُراد الله الذي أنت عبد له، فتسير وتسعى في حياتك وفق مراده لا وفق هواك ومزاجك أو مزاج من حولك

لا عليك ولا تفزع من الإجابة مهما كانت ولا تيأس فما زال في صدرك أنفاس، وفي الوقت متسع وفي رمضان فرصة لتعيد صياغة فكرك وقلبك وسلوكك وفق مُراد الله الذي أنت عبد له في كل ظروفك وأحوالك، فتسير وتسعى في حياتك وفق مراده لا وفق هواك ومزاجك أو مزاج من حولك، وأنك على الحقيقة لست إلا بشرًا مجبولًا على الضعف بل والخطأ، وعبدًا مملوكًا وذرةً في هذا الكون؛ فلستَ إلهًا يفعل ما يشاء ويملك بيده زمام الأمور لتغييرها حيث يحب ويرضى، وأنّ الأمور وإن عاكست آمالنا وتوقعاتنا وطموحاتنا فهذا أمر عادي؛ لأنك في دار ابتلاء لا في دار جزاء، وإنّ من فضل الله عليك ورحمته أنك تُسأل عن عملك وسعيك وأخذك بالأسباب ولن يحاسبك على النتائج مهما كانت.

وفق هذه الرؤيا السابقة عليك أن تتهيأ بقلبك وروحك لرمضان جديد تستقبله وكأنك لم تعشه سابقًا ولن تنتظره لاحقًا لا يأسًا ولا قنوطًا بل لتخط شهادة ميلادٍ جديدةً لك من الآن، تفتح صفحةً بيضاء من أول السطر تخط فيها معالم روحك وقلبك وسعيك بين يدي الله ولله وحده؛ فسيرك مضبوط بضوابط السماء لا ضوابط وقوانين الأرض المهترئة المستندة للقوي يأكل الضعيف والظالم يمر على جثث وجماجم الأبرياء والمظلومين.

فهذا رمضان أقبل فقل لي بأي قلب تنتظره وكيف ستتلقاه؟!

رمضان شهر له من العظمة والتوقير والتعظيم ما له فلا يغِب عن فكرك ذلك وتعظيمه جزء من عقيدته والاستبشار فيه من هدي نبوة نبيك المصطفى العدنان

أولًا/ احذر أن تستقبل رمضان كما بعض الغافلين الذين يرون أنه أسوأ رمضان

في هذا العام يأتي علينا والحال كما ترى وتسمع، رمضان شهر له من العظمة والتوقير والتعظيم ما له فلا يغِب عن فكرك ذلك وتعظيمه جزء من عقيدته والاستبشار فيه من هدي نبوة نبيك المصطفى العدنان.

ثانيًا/ اجعل من رمضان هذا نقطة تحول في كل مجرياتك وأحوالك

فكرك، عقيدتك، سلوكك، أخلاقك، تعاملك مع نفسك وكل من حولك، بل قف هُوينى وانظر لنفسك في هذا الكون واعرف ما لك وما عليك وركز على سعيك فأنت عنه وحده محاسب لا على سعي غيرك.

انظر للأمور وتفحصها بمنظور الشرع وسنن الله في كونه وليس وفق المنظور البشري المستند على عوامل وأسباب قد نسي الإنسان أنها نفسها قد تتغير وتتبدل بين عشيّة وضحاها لأن ثمة مُسبب لها ألا وهو الله وفي يده مقاديرها.

ثالثًا/ أنت على ثغرة من ثغور الإسلام فاحذر أن تُؤتى أمتك أو دينك من قِبَلك

لا تستهن بأية معصية أو ذنب تفعله، فربما ذنبك هذا يؤخر في صلاح حالك أو تغيير مسار أمتك ورفع المِحن عنها والابتلاءات.

إخوتك في غزة يتنقلون من ابتلاء لابتلاء فلا تألف مصابهم ولا تغفل عن حالهم عليك بنصرتهم ولو بالدعاء إن لم تستطع غير ذلك وذلك أضعف الإيمان

رابعًا/ إياك أن تعتاد تقبل مشهد الظلم والقهر

لا تمارس حياتك المعتادة بينما إخوتك في غزة يتنقلون من ابتلاء الجوع لابتلاء الخوف والفقد والقهر وفقد البيوت والأعضاء والأصدقاء والأبناء فأصبحت الأرض فراشهم والسماء غطاءهم، فلا تألف مصابهم ولا تغفل عن حالهم عليك بنصرتهم ولو بالدعاء إن لم تستطع غير ذلك وذلك أضعف الإيمان.

خامسًا/ اجعل من رمضان هذا سياسة جديدة لك في التقشف في المأكل والمشرب

ولا تفهم من ذلك تعذيب النفس بالجوع والحرمان فتضعف نفسك وتسأم وتتكاسل عن العبادة، بل اعتمد صنفًا واحدًا من الطعام عن كنت ممن يعتاد التنوع في أصناف الطعام على المائدة.

ولو قاطعت الحلويات يومًا واحدًا في الأسبوع وتصدقت بثمنها في ذاك ليوم بنية تفريج كرب عن مسلم أو جمع شتات المشتتين أو إلقاء الصبر على المبتلين لوجدت في ذلك أثرًا على نفسك ستلحظه في قابل أيامك، المهم أن تشعر بغيرك فلا تأكل وتشرب وقد نسيت تمامًا الابتلاء الذي يعم أرجاء الوطن الواحد.

سادسًا/ استشعر النعمة التي مغمور أنت فيها

نعمة الصحة والعافية ووجود الطعام والمسكن والأهل، وإياك أن يفقدك إلْف النعمة والتعود عليها الشعور الحقيقي بوجودها وشكر المولى عليها، وتذكر قول نبيّك صلى الله عليه وسلم: "من أصبح آمنا في سربه معافى في جسده عنده طعام يومه فكأنما حيزت له الدنيا" (البخاري: الأدب المفرد)

سابعًا/ حاذر من رمي بقايا الطعام وهذه فتنة يقع الكثير منا فيها

كلما هممت برمي كسرة خبز تذكر أنّ شعبًا كامل في الشق الآخر من الوطن المجروح لا يجد ما يخفف فيه جوعه، بل وهناك من يموت على الحقيقة جوعًا، وتأمل ما روته أمّنا السيدة عائشة - رضي الله عنها وأرضاها - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن عَائِشَةَ قالت: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ فَرَأَى كِسْرَةً مُلْقَاةً فَأَخَذَهَا فَمَسَحَهَا ثُمَّ أَكَلَهَا وقال يا عَائِشَةُ أَكْرِمِي كَرِيمًا فَإِنَّهَا ما نَفَرَتْ عن قَوْمٍ قَطُّ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ" (سنن ابن ماجه)

ما من ركعة أو دعاء أو تلاوة أو ذكر إلا بفضل من الله لا حظ فيه ولا أثر لنفسك ما لم يمددك الله بقوة وعزيمة من عنده جلّ شأنه

ثامنًا/ استعن بالله في كل أمر من أمورك ولا تتكل على قوتك وصحتك في عباداتك

قف على باب مولاك وتبرأ من حولك وقوتك، فما من ركعة أو دعاء أو تلاوة أو ذكر إلا بفضل من الله لا حظ فيه ولا أثر لنفسك ما لم يمددك الله بقوة وعزيمة من عنده جلّ شأنه.

تاسعًا/ استثمر كل دقيقة برمضان ونوّع عباداتك

لا سيما إن كنت صاحب وظيفة تبدأ بساعة وتنتهي بساعة، وخاصة ربات البيوت إذا أضيف لمسؤوليتها البيتية وظيفة خارج بيتها تذكري أن كل قطرة عرق ووقفة لك في المطبخ لا تضيع عند الله؛ فلك أجر المشقة والصيام وأجر تفطير كل صائم يفطر على ما أعددت من طعام، ولا تفارقي عبادة الذكر بلسانك وقلبك؛ فلها أثر كبير على طاقتك الجسدية والمعنوية، ومهما بلغت مشقتك تذكري أخوات لك بلا بيوت ولا عوائل وقد فقدن أدنى مقوم من مقومات الحياة.

وفي آخر المطاف استبشر بالخير دائمًا واجعل التفاؤل عبادة لا تفارقك وامسح بها على قلوب الناس وخفف بها من وطأة الأثقال تعلو كواهلهم، واتّبع هدي نبيّك في ذلك واعقد اليقين بقلبك تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض وهو يشك في السادسة، قال فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب" (مسند أحمد بن حنبل)

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة حاصلة على الدكتوراة في العقيدة والفلسفة الإسلامية من جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن. و محاضرة في جامعة القدس المفتوحة في فلسطين. كتبت عدة مقالات في مجلة دواوين الإلكترونية، وفلسطين نت، وشاركت في المؤتمر الدولي السادس في جامعة النجاح الوطنية حول تعاطي المخدرات. مهتمة بالقضايا التربوية والفكرية، وتكتب في مجال الروحانيات والخواطر والقصة القصيرة.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …