كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له بصورة يومية وبطرق ملتوية وغير مباشرة.
وقبل أن نتحدث عن أشهر هذه الطرق ونطرح أمثلة لها، لنتفق أولًا على تعريف للفظ "بروباجاندا"، وهي نوع من الدعاية المنظمة والمدروسة لفكرة أو نظام سياسي بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص وإقناعهم بتلك الأفكار.
إنها ببساطة محاولة لإعادة صياغة الرأي العام إزاء قضية معينة، وقد تكون تلك "البروباجاندا" مباشرة وغير مباشرة، وحينما تصير غير مباشرة تكون بطريقة دس السم في العسل .
كما سنناقش في موضوع مقالنا اليوم، سنعرض محاولة كبريات شركات الأفلام وكبار منتجي هوليوود دس سم الشذوذ والتحول الجنسي في عسل الأفلام الكرتونية التي تستهدف الأطفال بصفة أساسية.
بداية فلنعلم أن أيَّ حركات مناهضة لعادات الناس وأعرافهم، عادة ما تظهر على استحياء، حتى إذا ما بدأ الناس في قبولها واستكانوا لها صارت هي العادة وكل ما مخالفها يوصف بالعداء والكراهية.
عندما بدأت ديزني في تقديم شخصيات مثلية الجنس كانت تلك الشخصيات ثانوية، لا يتعدى وجودها مشهدًا وليس لها دور يذكر
فمثلًا: عندما بدأت ديزني في تقديم شخصيات مثلية الجنس كانت تلك الشخصيات ثانوية، لا يتعدى وجودها مشهدًا وليس لها دور يذكر، كما في فيلم "زوتوبيا" (Zootopia) وشخصيتا "بوكي" و"برونك أوريكس - أنتليرسون"، (Bucky and Pronk Oryx-Antlerson)، بيد أن الهدف الحقيقي من وجود المشاهد القصيرة للشذوذ الجنسي وظهور تلك الشخصيات كان خلق حالة من كون الشذوذ هذا أمرًا طبيعيًا لا مشكلة فيه، ومن هنا ينشأ ناشئ الفتيان منا على ما تركه أبواه يشاهده بمفرده من دون توعية أو توجيه أو إرشاد غير مٌنكِر للمنكَر، بل إنه لا يراه منكرًا حتى ينكره من الأساس، وقد يصل لمرحلة ينبري فيها للدفاع عنه بعد ما نشأ عليه كأمر طبيعي لا غبار عليه.
والآن وبعد نحو ست سنوات من عرض فيلم "زوتوبيا" (Zootopia) الذي كان يُلَمَح فيه إلى الشواذ إسرارًا، صار الآن يشار إليه بالبنان جهارًا!
ووصل إصرار شركة ديزني على عدم حذف مشهد التقبيل لشخصيتين مثليتين في فيلم "لايت يير" (Lightyear) إلى التضحية بعرضه في كثير من الدول العربية والإسلامية بالإضافة لمنع عرضه في الصين، وهذا على الرغم من أن الشركة لم تمانع من قبل حذف مشاهد معينة بناء على طلب صيني.
الآباء في الغرب يعدون عرض مثل هذه المشاهد، وطرح "البروباجندا" مثلية الجنس على الأطفال ضربًا من الجنون، ونوعًا من غسيل الدماغ للأطفال
غير أن هذا المشهد في نظرها كان أهم من أن يحذف، وأهم كذلك من أرباحها التي لم تضح بها في هذا الفيلم فحسب بعد أن خسرت فيه أكثر من 100 مليون دولار أمريكي حسب تقديرات الخبراء، كما خسرت كذلك في فيلم "سترينج وورلد" (Strange World) الذي يجعل من فشل فيلم "لايت يير" الذريع يبدو وكأنه نجاح مبهر!
من جهة أخرى، فإن الآباء في الغرب أنفسهم يعدون عرض مثل هذه المشاهد، وطرح "البروباجندا" مثلية الجنس على الأطفال ضربًا من الجنون، ونوعًا من غسيل الدماغ للأطفال الذين هم أبرأ من أن تُطرح مواضيع مثل هذه عليهم ناهيك عن أن تكون مشاهد في أفلام مخصصة لهم.
يقول الشاعر:
وأقوى رادِعٍ لِلمَرءِ نَفسٌ تُحاسِبُهُ إذا غابَ الرَّقِيبُ
فما بالنا إذا كانت النفسُ أمَّارَةً بالسوء ترى الفطرة منكرًا ينبغي إنكاره، وترى الفاحشة طبعًا ينبغي الإقرار به والترحيب به والإذعان لكل ما يأمر به!
هذه النفس وجدت سبيلها لأطفالنا وما لم نكن على حذر وتأهب، فأطفالنا فريسة سهلة المنال لأصحاب النفوس المريضة والأفكار المنحرفة .رادع استنكار المنكر غُرِز فينا بسهولة ويسر، أما بالنسبة لأبنائنا فهم جيل في حرب إعلامية مستمرة يحتاجون لها العدة والعتاد، ومن غيرنا يعدها لهم؟!
وديزني وإن كانت أجندتها لا تخفى على أحد الآن، فنصيب الأسد والتهديد الأكبر هو لـ "نتفليكس" التي صرنا نادرًا ما نرى بيتًا يخلو من اشتراك فيها، وتظل المشكلة الأكبر هي غياب الرقابة الأبوية على ما يشاهده الأبناء، وتركهم بالساعات أمام عقائد تخالف ديننا صراحة، ثم نعْجَب لهم إذا ما كبروا كيف صاروا غربيين أكثر من الغربيين أنفسهم، وكيف أنهم منا اسمًا ونسبًا ومنهم فكرًا وعقيدة وهو الأدهى والأمر!
وختامًا، فإن الغرب لم يصل لهذا الانحدار الأخلاقي البشع في يوم وليلة، بل هي عبارة عن حرب على مدار عقود، هي حرب ليست بالسلاح وإنما بـ "البروباجندا" وتغيير الأفكار والعقائد بصبر منقطع النظير، وهكذا، غدا الغرب الذي حكم على "آلان تورنغ" (Alan Turing) بالإعدام لشذوذه الجنسي هو نفسه الذي يضع صورته على عملته الرسمية تكريمًا لذكراه وتخليدًا لها! وكل هذا تم في أقل من سبعين عامًا، وكما تقول الحكمة: "فالسعيد من وعظ بغيره"، وبناء عليه وجب علينا التفكير في مآل أبنائنا إذا ما تركناهم لهذه المنصات والشركات، والتساؤل عما سيؤول عليه حالهم بعد سبعين عامًا، وكيف سيصبح حال أبنائهم من بعدهم؟! فنحن جيل نشأ على غير ما نشؤوا عليه، فرادع استنكار المنكر غُرِز فينا بسهولة ويسر، أما بالنسبة لأبنائنا فهم جيل في حرب إعلامية مستمرة يحتاجون لها العدة والعتاد، ومن غيرنا يعدها لهم؟!