موت الشيخ الحويني _رحمه الله_ يشير إلى محنة الإسلاميين، وذلك ما سنفصله، ولكن بعد أن نوضح معاني بعض المصطلحات.
( الإسلاميون والتيار الإسلامي والحركة الإسلامية ) هي مصطلحات متقاربة المعنى، وأفضل ما يقال في التفريق بينها: إن مصطلح الإسلاميين مصطلح عام يشمل كل أهل الالتزام الإسلامي؛ والذين ينادون مع التزامهم بالعودة إلى الإسلام شريعة وحكما.... ومصطلح التيار الإسلامي يعبر عن ذات المعنى الذي يعبر عنه مصطلح الإسلاميين.
أما مصطلح الحركة الإسلامية فهو يعني طائفة من الإسلاميين والتيار الإسلامي، لم تكتف بالتزامها الإسلامي، ولا بمناداتها بالعودة إلى الإسلام كشريعة وحكم، ولكنها مع ذلك اتخذت طريق العمل الجماعي المنظم وسيلة لها من أجل تحقيق تلك الغاية.
إذن، فمصطلح الحركة الإسلامية يمثل الخصوص داخل عموم مصطلحي الإسلاميين والتيار الإسلامي، ومصطلح الحركة الإسلامية يُطلق في أدق ما يُطلق عليه على جماعة الإخوان المسلمين، ومن على شاكلتهم، حيث العمل الإسلامي الجماعي المنظم ذو البعد السياسي.
موت الشيخ الحويني يشير إشارة كبيرة إلى محنة الإسلاميين عموما، وذلك ما سنوضحه في النقاط التالية:
أولا: تفرق الإسلاميين:
عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الحديث المشهور، أن لا يهلك أمته بعدو من خارجها، أجابه الله سبحانه وتعالى لما سأله، وعندما سأله أن لا يهلكها بإهلاك عام كما أهلك الأمم السابقة، أجابه الله سبحانه وتعالى لما سأله، وعندما سأله أن لا يجعل بأس أمته بينها شديدا، أمسك الله سبحانه وتعالى عنه هذه.
ومن هذا، نجد أن أكثر ما أوهن أمة الإسلام على مدار تاريخها كله: الخُلف والتناحر بين طوائفها المختلفة.
والإسلاميون مع ما جمعهم من وحدة الهدف والغاية، كانوا في خُلفٍ كبيرٍ في الوسائل والطُرق التي سلكوها من أجل الوصول لتلك الغاية.
وبدلا من أن يكون اختلافهم في الوسائل والطرق اختلاف تنوع وتعاون، كان اختلاف تضادٍ وتعادٍ. فرأينا هؤلاء يبدعون أولئك، وأولئك يفسقون هؤلاء، وليس بينهم اختلاف يُذكر لا في الغاية ولا في المنهج، ولكنه اختلاف الوسيلة والطريقة لا غير.
ولو اجتمع الإسلاميون بكل أطيافهم المنظمة وغير المنظمة على طريقة واحدة في العمل لأنجزوا، ولو توحدوا في مقابلة العلمانيين والأنظمة الحاكمة العميلة والمستبدة لما وقف في وجوههم أحد، ولكنها السُّنة القدرية التي كتبها الله عليهم وعلى أمة الإسلام كلها.
ثانيا: ترك العمل الجماعي والسياسي من طائفة كبيرة من الإسلاميين:
الحركة الإسلامية التي تنتهج العمل الجماعي الحركي السياسي قلة داخل تيار الإسلاميين العام.
والذي يظهر ويتأكد يوما بعد يوم أهميةُ العمل الجماعي الحركي السياسي من أجل عودة الإسلام كشريعة وحكم، وعودة العز لأمته، تلك التي أنهكتها الذِلة على يد أعدائها من داخلها وخارجها.
العمل الإسلامي الجماعي المنظم هو فريضة الوقت، ذلك لأن المؤامرة على أمة الإسلام كبيرة، ومن نافلة القول أن نقول إن الجهود الرامية لنصرة الإسلام إذا ما اجتمعت في سياق واحد، فإنها ستكون أكبر وأعجل أثرا.
وللتيار الإسلامي العام علماء ودعاة كبار، لهم مريدوهم وأتباعهم، ولو أنهم جميعا قالوا الكلمة التي يجب أن يقولوها في الوقت الذي يجب أن يقولوها فيه، لربما تغير الواقع تغيرا كبيرا عن ما هو عليه الآن.
ومشكلة أكثر علماء ودعاة التيار الإسلامي العام، أنهم يتأخرون كثيرا عن الصدع بكلمة الحق في كثير من قضايانا العامة، التي تكون أشد الحاجة في صدعهم بها ساعتها.
فإذا كانوا قد نحوا بأتباعهم بعيدا عن العمل الجماعي السياسي، فما كان يجب لهم أن يتأخروا عن كلمة الحق في وقتها، فإن أتباعهم ومريديهم لو تحركوا بكلمتهم هذه نحو نصرة أهل الحق المظلومين في مواجهة الطغاة الظالمين، لربما تغيرت نتائج مواجهات كثيرة.
ثالثا: محاربة الطغاة للإسلاميين عموما، واضطهادهم عموما.
عندما أُخذ حيي بن أخطب كبير اليهود إلى المذبح بعد خيانته، قال كلمته الشهيرة: إنها ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل.
وهي كلمة صادقة لها ما يؤيدها من استقراء التاريخ.
ونحن في عصرنا الحديث نعيش مع ملحمة أخرى كتبها الله على الإسلاميين.... ولكن شتان بين الملحمتين.
فالملحمة التي كتبها الله على بني إسرائيل هي ملحمة الذِلة والشتات، وقد كتبها الله عليهم لضلالهم وخسة نفوسهم..... أما الملحمة التي كتبها الله على الإسلاميين، فهي ملحمة التضحية والفداء، لأن ما يسعون إليه من غاية تحكيم الإسلام ورفعته، هو غاية عظيمة وكبيرة، ولا بد من أن تُدفع من أجلها الأثمان الغالية، وهي الملحمة التي قال الله فيها } أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين { سورة آل عمران آية 142}.
فالملحمة التي كتبها الله على أمة الإسلام هي ملحمة الجهاد، التي ينبري لها خاصةٌ من أمة الإسلام، فيجاهدون باليد وباللسان، ويصبرون مع ذلك، لأن من لوازم الجهاد التعرض للأذى، ومن ولوازم التعرض الأذى الصبر والاحتساب.
الطغاة من حكام المسلمين اليوم، هم في غالبهم لا يعادون الإسلام كدين، ولكن يحاربونه كمرجعية حاكمة تهدد كراسيهم، إذ يسعى المنادون بهذه المرجعية إلى جلوس الأكفاء على هذه الكراسي بدلا من الجالسين عليها من الحكام؛ المتسلطين عليها إما بالوراثة أو بالسيف.
ولذلك فإن طغاة اليوم يعادون أول ما يعادون أهل الحركة الإسلامية السياسية، ويعادون من ورائهم الإسلاميين والتيار الإسلامي عموما، لأنهم يعلمون أن التيار الإسلامي العام هو حاضنة الحركة الإسلامية السياسية، وهو سندها العام في أي مواجهة أو منافسة.
الشيخ أبو إسحاق الحويني رحمة الله مثّل في داخل الإسلاميين وفي داخل التيار الإسلامي العام تيارا داخل التيار، له سمته الخاص وطريقته الخاصة في خدمة الإسلام ونشر دعوته ومنهجيته.
وبرغم بعده وبعد تياره عن العمل السياسي، وعن التعرض للسياسة من قريب أو بعيد، إلا أنه أوذي مع ذلك، فترك وطنه خوفا من بطش الطغاة، الذين خافوا منه أن يصدع بكلمة الحق السافرة في يوم من الأيام، وأخذوا ابنا من أبنائه أسيرا عندهم لسنوات ليضمنوا سكوته خوفا على ابنه....ويموت الشيخ في غير وطنه طريدا، ويدفن هناك بعيدا، شاكيا إلى الله ظلم الطغاة، وليكون موته صوتا مدويا، يزعق في التيار الإسلامي كلّه: إلى متى الشقاق، وإلى متى هذا الهوان مع هذه الأنظمة العميلة والمستبدة؟!