أطفالنا يئنّون بصمت: كيف نقرأ صرخاتهم الخفية؟

الرئيسية » بصائر تربوية » أطفالنا يئنّون بصمت: كيف نقرأ صرخاتهم الخفية؟
children

لا شك أن الحياة ليست على مسار واحد، ولا داء واحد، ولا كذلك دواء واحد. فالأمور في عالمنا المتسارع، حيث تتشابك خيوط الحياة وتتداخل الأحداث، يجد الأطفال أنفسهم في مواجهة ضغوط نفسية قد تفوق قدرتهم على الاستيعاب. ولا يكفي لهذه الضغوط صراخ أو دموع، هذا إن استطاعوا - مع الأسف - التعبير بالبكاء والصراخ. إنهم ليسوا مجرد بالغين صغارًا، يا سادة، وحتى تكون النظرة صحيحة وكافية، فهم كائنات حساسة تحتاج إلى رعاية خاصة ودعم مستمر.

وحتى لا نطيل في مقدمة تئن من سطورها أوجاع وآهات كلها حزن لتعاسة طفل صغير، فدعونا نتعمق في هذا العالم الخفي للضغوط النفسية لدى الأطفال، ونستكشف كيف يمكننا أن نكون لهم ملاذًا آمنًا في خضم هذه التحديات التي تموج بالبيوت والعالم على مدار اللحظة.

نظرة عن كثب

الضغوط النفسية ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي تجربة حقيقية يعيشها الطفل بكل تفاصيله. إنها استجابة طبيعية لمواقف الحياة الصعبة، ولكنها قد تتجاوز قدرة الطفل على التحمل إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح. ولذلك، فالأمر لم يعد سطورًا تُكتب، بل جراحات آن لها أن تندمل بشكل معرفي وعلمي صحيح. لذلك، فبداية الأمر أن نتعرف على أنواع تلك الضغوط بشكل سلس.

أنواع الضغوط النفسية

أولًا: الضغوط الإيجابية (البناءة)

هي تلك الضغوط التي تدفع الطفل إلى الأمام، مثل الاستعداد لمسابقة رياضية أو فنية. إنها تساعده على تطوير مهاراته وقدراته، وتعزز ثقته بنفسه. ومعنى ذلك أن لكل شيء وجهين، سلبي وإيجابي، والبراعة في جعل الأفضل الإيجابي يتفوق على السلبي أو يجعله ماضيًا لا عودة فيه. ويقينًا، الباسورد هنا الوالدان، فالبيت أول محضن تربوي يُلقي المفاهيم ويُغذي القيم في حياة مُقلة العيون ومهجة القلوب: أطفالنا.

ثانيًا: الضغوط السلبية (الهدامة)

هي الضغوط التي تؤثر سلبًا على صحة الطفل النفسية والعاطفية، مثل التنمر أو العنف المنزلي. إنها قد تؤدي إلى مشاكل سلوكية ونفسية خطيرة إذا لم يتم التعامل معها بجدية. ومنبع هذه الأمور السلبية يكمن في خطأ التوجيه المدرسي أو الأبوي، وبشكل واضح: إذا كانت المعدة بيت الداء، فالبيت كذلك لو لم يقم بدوره تواصلًا مع المدرسة والدروس والمدرس.

إن الأطفال قلوبهم كالزجاج، يتعرض للكسر بشكل أسرع مما يتخيل البعض، بل من أي خطأ صغير، والعلاج مكلف وصعب.

الأطفال قلوبهم كالزجاج، ينكسرون من أقل خطأ، وإصلاحهم يتطلب وقتًا وحنانًا وصدقًا

ما هي أسباب الضغوط النفسية لدى الأطفال؟

والحقيقة أن الجواب ليس تنظيريًا ولا عمليًا فقط، لكنه خليط ما بين التنظير والنصح والخطوات العملية البسيطة التي نحتاجها جميعًا لكي نشرع أولًا في عمق الأسباب، وهي:

أولًا: العوامل الأسرية
فالأسرة هي الخلية الأولى التي يتفاعل معها الطفل، وأي خلل فيها قد يؤثر عليه بشكل كبير. المشاكل الزوجية، الطلاق، فقدان أحد الوالدين، العنف الأسري، الإهمال، كلها عوامل تزيد من خطر تعرض الطفل للضغوط النفسية.

لذلك، فعلى كل أب وأم أن يتقوا الله أولًا في أولادهم، ويجتهدوا في عدم تصديع البيت وحدوث حالة من الفُرقة والشقاق والطلاق والخلع، فضلًا عن الاختفاء أو ظهور مُبتدآت هذه الأمور أمام الأطفال، فهي طعن في قلوبهم قبل عيونهم، وأثرها النفسي جد خطير.

(تقرير اليونيسف (2022) حول "الصحة النفسية للأطفال في البيئات المتغيرة")

ثانيًا: الضغوط الدراسية
المدرسة هي مكان يتعلم فيه الطفل ويكتسب مهارات جديدة، ولكنها قد تكون أيضًا مصدرًا للضغوط النفسية. صعوبة التعلم، الامتحانات، المنافسة بين الطلاب، التنمر في المدرسة، كلها عوامل تزيد من الضغط على الطفل.

هل هناك علامات واضحة تدل على أن الطفل تحت الضغط؟

الجواب: نعم، لا شك في ذلك. هناك علامات جلية لا تحتاج لمتخصص، فقط تحتاج لمحب.

أولًا: الصمت
نعم، الصمت كما قرأت عزيزي الأب؛ فالأطفال لا يعبرون عن مشاعرهم بالكلام دائمًا، ولكنهم قد يظهرون علامات وأعراضًا تدل على أنهم يعانون من الضغوط النفسية. يجب علينا أن نكون حذرين وملاحظين لهذه العلامات، وأن نتعلم لغة جسدهم الصامتة. والأخطر أن هذه العلامات متشابكة تلقائيًا بحالة من العزلة أو الميل للجلوس في غرفته منفردًا، ولا شك أن عينه تمطر مطرًا شديدًا على وجهه الملائكي، وهي تشكو بصمت وتصرخ بلا ضجيج.

ثانيًا: اضطرابات النوم
صعوبة النوم، الكوابيس المتكررة، الأرق... وكيف ينام وهو يشعر بحالة من الوجع القلبي وانكسار فؤاده بشكل مظلم؟ فلا راحة أو سكينة.

وخطورة هذه العلامة أيضًا أنها متشابكة مع عدم الرغبة في الطعام، بل فقدان الشهية لكل ما يحبه، ولا رغبة لكل ما يعشقه. فالمرء، في عمومه، إن لم يكن مرتاحًا ويأخذ قسطه الوفير من نومه، فإن يومه يصبح عبوسًا ثقيلًا، لا يدري ما به، غير أنه ليس ذلك الطفل الذي كان - قبل شهور - يلعب ويتحرك ويذهب لدرسه مبتهج الفؤاد مسرور العين.

ما هو دور البيت في دعم الطفل؟

يكمن دور البيت - بما فيه من ربان للسفينة (الأب) والمساعد (الأم) - فيما يلي:

أولًا: الأمان
والمعنى هو توفير بيئة آمنة وداعمة. يجب أن يشعر الطفل بالحب والقبول والأمان في منزله، وأن يعلم أن هناك من يستمع إليه ويدعمه، ويستمع إليه، ويستمع إليه، ويستمع إليه... نعم، قد تعمدت التكرار من منظور تربوي واضح، فالإنصات لهم هو سر نجاحهم وتحول حياتهم من الروتين والتقليد إلى الإبداع والتجدد.

فالتواصل الفعّال معهم يفتح أبوابًا من الراحة والهدوء في البيت، لذلك يجب على الوالدين الاستماع إلى أطفالهم بإنصات، والتحدث معهم بصراحة وشفافية، وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم.

ثانيًا: كن قدوتهم
إن الأبناء لا يحتاجون لكثير من المحاضرات أو الطلبات، بقدر ما يجب أن يروا القيم المنشودة في أبيهم وأمهم. فالقدوة الحسنة كفيلة بتصحيح مسار الأولاد من السلبي والانغلاق إلى الإيجابي، اختلاطًا وتعلمًا وفهمًا واستجابةً بطاعة مبنية على المحبة لا السلطة.

("دور الأسرة في دعم الأطفال تحت الضغوط" - ليندا جونز، 2018. مجلة علم النفس التربوي)

القدوة ليست كلمات تُقال، بل أفعال تُرى. فلنكن ما نحب أن يكون عليه أبناؤنا

ثالثًا: ورقة وقلم
إن المسار التربوي الناجح ليس فرضًا أن يكون مبنيًا على التوجيه والأمر والنهي والغلظة. فبهذه الحالة، يكون الأب محاسبًا في النهار، يرعى ويصرف، لكنه لا يربّي. بل قد يتحول إلى "أمين شرطة" يأمر بالسكوت، ويطالب بعدم إزعاجه!

وعليه، لما كانت التربية هي رعاية وتربية ومعونة وعمل صالح وتوجيه ورفق، كان لا بد من إعطاء الأطفال مساحة للتعبير.

والتعبير، كما يُطلب في امتحانات اللغة العربية، فالبيوت أيضًا بحاجة إليه! لكن بشكل منظّم: بورقة وقلم، يُطلب من الأبناء كتابة مشاعرهم، وأمانيهم، وأحلامهم، ونقد ما يرونه لا يُسعدهم.

ويقينًا، هذه خطوة سيتبعها أحضان متبادلة، وتقبيل يد الأب والأم، وتطفو على السطح، وفي أعماقه، كل مشاعر الحب الصادقة بين الأبناء والوالدين.

عندها نستطيع أن نقول إن الأب والأم قد نجحا في اختبار علاج الضغوط النفسية لأبنائهم، إلى غير رجعة.

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

عندما تصبح الدعوة بلا دفء: كيف نعيد بناء القلوب؟

النجاح الحقيقي في العمل الدعوي لا يقاس فقط بكمّ الأنشطة أو حجم الانتشار، بل بما …