لم يعد مستبعدًا أن تشتري لابنك تلك اللعبة التي رغبها بشدة، وبعد أن تشتريها بساعات، يرميها ولا يلعب بها، ثم يذرف الدموع كي تشتري له غيرها، لأنه - حسب قوله - لن يكون سعيدًا دونها. نحن نعيش في عصرٍ يسلب الرضا منّا ومن أولادنا؛ ازداد الرخاء والوفرة، ونتيجة لسوء استخدام هذه الوفرة، ازداد السخط وعدم الرضا. لذا، صرنا بحاجة لبذل جهد من أجل إحياء عبادة الرضا.
في هذه المقالة، سنتعرف على ثمانية أمور تساعد في ذلك:
أولًا: القيادة بالقدوة
يتعلم الأطفال من خلال الملاحظة، لذا تأكد من أنك تقدم نموذجًا للرضا في حياتك الخاصة. أظهر الامتنان لما لديك، وركز على الإيجابيات بدلًا من السلبيات. بعد ذلك، شجع طفلك على ممارسة الامتنان يوميًا؛ يمكن أن يكون ذلك من خلال الاحتفاظ بمذكرات الامتنان، أو ببساطة التفكير في الأشياء التي يشعر بالامتنان لها كل يوم، أو بمشاهدة صوركم في الأوقات السابقة والتحدّث عن مشاعركم في تلك الأوقات. بمعنى: من خلال تحويل تركيزهم إلى الأشياء الجيدة في حياتهم، سيتعلمون تقدير ما لديهم.
نحن نعيش في عصر يسلب الرضا منّا ومن أولادنا؛ ازداد الرخاء، ونتيجة لسوء استخدامه ازداد السخط
ثانيًا: تعليم الأطفال الفرق بين الرغبات والاحتياجات
ساعدهم على فهم أن الممتلكات المادية لا تجلب السعادة الدائمة، وأن الرضا الحقيقي يأتي من الداخل. يمكن تطبيق ذلك عمليًا عند شرائهم لعبة أو شيئًا كانوا يرغبون به بشدة؛ شجعهم ليراقبوا كيف تغيّرت مشاعرهم بعد امتلاك هذه اللعبة عن مشاعرهم لمّا كانوا لا يملكونها.
ثالثًا: شجّعهم على التركيز على التجارب بدلًا من الممتلكات المادية
ساعدهم على رؤية الفرح في قضاء الوقت مع أحبائهم أو استكشاف أماكن جديدة، بدلًا من الرغبة المستمرة في الحصول على أحدث الألعاب أو الأدوات.
رابعًا: تعليم الأطفال تحديد توقعات واقعية
الحياة ليست مثالية دائمًا، ومن المهم للأطفال أن يتعلموا كيفية التعامل مع خيبة الأمل، والفشل، والنكسات. لا أحد منا يحب أن يرى ولده يُصاب بخيبة أمل، لكن لا يمكننا حمايتهم من ذلك للأبد. لذا، استغل هذه المواقف من أجل تعليمهم المرونة ومهارات حل المشكلات. وهكذا سيكونون مجهزين بشكل أفضل للتعامل مع تحديات الحياة.
علّمهم أن السخط والاعتراض على أقدار الله لا يُغيّرها، لكنه يسلب منا أجرها، كما جاء في الحديث الشريف عن أنس بن مالك – رضي الله عنه –:
"إن عِظم الجزاء مع عِظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" (رواه الترمذي وحسنه).
خامسًا: تعليم الأطفال أن الله عادل في رزقه وفي عطائه
أخبرهم أن الله تعالى يعطي كل منا ما يحتاج إليه حين يحتاج إليه، وأننا جميعًا لدينا مواهبنا ونقاط قوتنا الخاصة، لكن علينا الانتباه لها وتطويرها. وأن ما فقدناه في الدنيا، سيعوضنا الله تعالى عنه في الآخرة إن صبرنا ورضينا. أعلم أن هذه المعاني قد تكون كبيرة على الأطفال، لكن مع التكرار، ومع التربية بالموقف، قد تنطبع في قلوبهم.
ذكّر طفلك بأن المقارنة هي لصّ الفرح. شجعه على التركيز على رحلته الخاصة، وعدم الانشغال بمقارنة نفسه بالآخرين. إن مسار كل شخص فريد من نوعه، ومن المهم للأطفال أن يتقبلوا فرديتهم.
ذكّر طفلك بأن المقارنة هي لصّ الفرح، وأن قيمة الإنسان بتقواه لا بممتلكاته
سادسًا: علّمهم أهمية المنظور
ساعدهم على فهم أنه سيكون هناك دائمًا شخص لديه أكثر منهم، ولكن هناك أيضًا من لديه أقل. شجعهم على أن يكونوا ممتنين لما لديهم، وأن يتعاطفوا مع أولئك الذين قد يكون لديهم أقل. وهذا توجيه نبوي عظيم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: "انظروا إلى مَن هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمةَ الله عليكم" (متفق عليه).
سابعًا: شجِّع أطفالك على أن يفرحوا لأقرانهم
عندما يرون أصدقاءهم يستمتعون بالنِّعم والإنجازات، علّمهم أن يفرحوا لهم. أعلم أن هذا الأمر ليس سهلًا على النفس، وهي مساحة خصبة ليوسوس الشيطان، لكن باتباع أمر الرسول ﷺ: "إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه، فليبرك عليه، فإن العين حق"، نستطيع التغلب على ذلك. وأخبرهم لماذا لا ينبغي لهم أن يشعروا بالنقص لأنهم لا يملكون نفس الأشياء التي يملكها أقرانهم، وأن قيمة الإنسان بتقواه لا بممتلكاته.
ثامنًا: وضع قوانين للشراء
الإسراف في شراء الهدايا لأطفالنا يعلمهم عدم الرضا وطلب المزيد، ويفقدهم الإحساس بقيمة الأشياء. علينا تعليمهم حرمة الإسراف، والتعامل الصحيح مع المال والممتلكات، حتى لو كنا نملك المال الكثير. يدفعنا حبنا لأولادنا، وخوفنا من شعورهم بالحرمان، أن نشتري لهم كل ما يُروَّج له. لكننا لا ندرك أننا بذلك نضرهم من حيث لا نحتسب، وأن الوسطية هي خير الأمور.
من خلال تعليم الأطفال هذه الدروس القيمة، يمكننا مساعدتهم على تنمية شعورهم بالرضا الذي سيخدمهم جيدًا طوال حياتهم. لا تنتظروا حتى يكبروا ثم تبدأوا في تعليمهم؛ ليس من المبكر أبدًا أن نبدأ في غرس هذه القيم المهمة في صغارنا، حتى لو كان عمرهم سنتين أو ثلاثًا.