في حياتنا البشرية، إذا ما تعرّض أحدنا لضغط كبير، فإن تنفيسه عن هذا الغضب في بدايته يُهوِّن كثيرًا من قدر الغضب ومن أثره.
أما إذا احتمل كثيرًا من ذلك الضغط، وحَلُم حتى لم تعد له طاقة بأي قدر من الحِلم، فإن غضبته تكون في النهاية غضبةً عاصفة، لا تُبقي ولا تذر؛ لا من قدرته على الغضب، ولا من طاقته على الفعل.
وكذلك الأمر في الأشياء المادية؛ إذا ما تعرّض منها شيءٌ لضغطٍ هائل، وتماسك هذا الشيء المادي تحت الضغط إلى أبعد مدى في التحمل، فإنه ينفجر في النهاية انفجارًا هائلًا، فيه أكبر قدر من التدمير والانفجار.
ولله المثل الأعلى: فإن الله سبحانه وتعالى، إذا ما حَلُم على ظالم، وطال حلمه، فإن اليقين في غضبته الكبرى يزداد ويزداد. فإذا كان هذا الظالم هو ذلك الظالم التاريخي المعروف؛ اليهودي الذي هو أكفر الناس وأظلم الناس، وكان ظلمه هو ذلك الظلم التاريخي المشهود، الذي أخبر الله به في كتابه الكريم:
{لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ... فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا... فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ...} [الإسراء]
فإن اليقين في غضبة الله التاريخية يكون يقينًا لا يساوره أدنى شك.
إذا ما حلم الله على ظالم وطال حلمه، فإن اليقين في غضبته الكبرى يزداد... حتى لا يبقى بعدها موضع لشك أو تأجيل
وإذا ما تعرّض المظلوم لضغطٍ هائل، على مَرأى ومسمع من الناس، فإن باعث الانفجار يكون أشد وأقوى. فالظلم عظيمٌ ثقيل، وهو بحضرة الناس أعظم وأثقل.
ولله المثل الأعلى في هذا أيضًا: فإن غضب الله من الظالم الذي يظلم في السر، وفيما بينه وبين أضعف الناس، يكون شديدًا. أما غضبه سبحانه من الظالم الذي يظلم أمام الناس جميعًا، بلا رحمة ولا حياء، فإنه يكون أشد وأقوى؛ لأن في ذلك تبجّحًا وتحدّيًا لله تعالى.
في الأزمنة الغابرة، كان الظالمون يقتلون ويفسدون في الأرض، فلا يرى الناس ظلمهم وفسادهم إلا قلّة.
أما اليوم، فإن الظلم والقتل والإفساد تصوّره الكاميرات وتبثّه الشاشات، فيراه الناس جميعًا. وهنا يكون غضب الله الأكبر؛ إذ يتساءل الجميع:
"أين الله مما يحصل؟!"
"لو كانوا على حقّ، لنصرهم الله؟!"
"أما آنَ أن يفعل الله ويقضي؟!"
وكثرة تساؤل الناس تبعث على الفعل الأعظم من الله…
قضية القدس والمسجد الأقصى: قضية القضايا
إن قضية المسجد الأقصى ومدينة القدس قضية محورية في تاريخ الحياة الدنيا كلّها. فهي الأرض الأكثر قداسةً في العالم بالنسبة للأديان السماوية الثلاثة:
ففيها مهدُ عيسى ومدفنُه، وفيها هيكلُ سليمان المزعوم، وفيها المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين.
ولهذا، فهذه الأرض المباركة هي محور الصراع بين الأديان وأتباعها، منذ فجر التاريخ وحتى منتهاه.
فقد بدأ الصراع أولًا بين اليهود والنصارى أتباع عيسى عليه السلام، والذي انتهى -بحسب عقيدة النصارى- بقتل عيسى على يد اليهود، أو -بحسب عقيدة المسلمين- برفعه إلى السماء.
ثم جاء الصراع بين المسلمين والصليبيين، من أجل هذه الأرض.
ثم جاء في زماننا الصراع الذي نحن بصدده اليوم: بين المسلمين واليهود، على هذه الأرض المباركة، ومن أجلها.
أدوار كبرى في صراع كبير
لليهود في هذه الحياة دورٌ أساسيٌّ: الضلال والفساد.
وللقدس دورٌ أساسيٌّ: القداسة والطُّهر.
وللمسلمين دورٌ أساسيٌّ: وراثة الأرض المقدسة، ومواجهة المفسدين والضالين.
وإذا كنا في حياتنا نُرتب أولوياتنا بين الأهم والمهم، فإن الله جلّ وعلا، وهو ربّ الكون، يدبّر كل قضاياه؛ لكن تبقى بعض القضايا أعظم شأنًا عنده من غيرها.
وذلك بحسب:
قداسة الأرض التي تجري فيها القضية، قدر أهلها ومدى إيمانهم وجهادهم، قدر العدو ومدى كفره وفساده.
ومن ثم، فقضية القدس والمسجد الأقصى هي أعظم القضايا عند الله، كما هي أعظمها عندنا.
وغضب الله لما يحدث فيها ليس كأي غضب؛ لأنها ليست كأي أرض، وأهلها – بما نراهم عليه من ثبات وجهاد – ليسوا كأي أهل، وما يجري عليهم من إبادة وحصار وتجويع، ليس كأي حدث، وعدوهم – في كفره وإجرامه – ليس كأي عدو.
ولذلك، فإن الفعل الإلهي المنتظر لن يكون كسائر الأفعال.
قضية القدس ليست كأي قضية، وغضب الله فيها ليس كأي غضب، لأن الظلم فيها يُرى ويسمع، ويشارك فيه العالم بالصمت أو التآمر
فإذا طال حلم الله، وتأخر قضاؤه، وضاقت الأرض بما رحبت، وبلغت القلوب الحناجر، وظن الناس بالله الظنونا… فإن المنتظر –والذي هو في حكم المتيقَّن– هو غضبة لا تبقي ولا تذر.
وأغلب الظن أنها ستكون حربًا عالمية ثالثة، يُفني الله بها الظالمين بالظالمين، ويُنجي فيها المظلومين.
لكن... من هم الظالمون؟
إذا كان الله سيهلك الظالمين، فالسؤال: من هم؟
إن كان الصهاينة اليهود ومعهم أنظمة الظلم العالمي هم أول الظالمين، فهم ليسوا آخرهم.
صهاينة العرب والمسلمين من الحكام والمحكومين الذين تواطؤوا مع اليهود والنصارى ضد إخوانهم، هم من الظالمين، بل من أوائلهم.
الجبناء من العرب والمسلمين، حكامًا ومحكومين، الذين قعدوا عن النصرة خوفًا، هم من الظالمين.
شعوبنا العربية والإسلامية، التي تركت حكامها يبيعون القضية، سواء بالخيانة أو بالخنوع، هم أيضًا ظالمون.
فقد كان ينبغي أن يعلو صوت الشعوب، وأن: "يُشنق آخر صهيوني على أرض فلسطين بأمعاء آخر حاكمٍ صهيونيٍّ خائنٍ عميل، أو جبانٍ ذليل."