حين تظن أن الجميع “سيئو الطباع”… انتبه لانحيازك!

الرئيسية » خواطر تربوية » حين تظن أن الجميع “سيئو الطباع”… انتبه لانحيازك!
man with others

إن سوء تفسير الدوافع الحقيقية وراء السلوك The Fundamental Attribution Error هو انحياز يجعل الناس يقللون من تأثير المواقف وظروف الحياة على سلوك الآخرين، مما يدفعهم للمبالغة في تقدير أهمية الطبائع والصفات الشخصية للبشر. أي أنه يدفع الناس للاعتقاد بأن تصرفات الآخرين لا تتأثر بما يدور حولهم على أرض الواقع، بل هي محض انعكاس لشخصياتهم ومعادنهم الحقيقية. فمثلًا، قد يدفع هذا المبدأ شخصًا ما للاعتقاد بأن شخصًا غريبًا يبدو غاضبًا لأنه بطبيعته كذلك، رغم أن الحقيقة قد تكون أنه غاضب لتعرضه لموقف أثار حفيظته وغضبه. ومن هنا، يمكن أن يؤثر هذا المبدأ بشكل كبير على كيفية حكمنا على الآخرين.

أمثلة على سوء تفسير الدوافع الحقيقية وراء السلوك:

غالبًا ما يظهر الأشخاص الذين يشاهدون البرامج التلفزيونية والأفلام هذا الخطأ عندما ينسبون سلوك الممثلين إلى شخصياتهم الحقيقية بدلاً من دورهم في الفيلم وما يمليه عليهم النص المكتوب (السيناريو). وهذا يعني أن الناس يفترضون أحيانًا أن سلوك الممثل أثناء أدائه لشخصية ما يعكس شخصيته الحقيقية، بدلاً من كونه مجرد تمثيل للدور المطلوب منه أداؤه. علاوة على ذلك، أظهرت الدراسات أن هذا التأثير يستمر حتى عندما يرى الإنسان الممثل يؤدي دورين مختلفين، وفي هذه الحالة يكون المشهد الأخير هو العامل الأكثر تأثيرًا على تقييمه لشخصية الممثل.

وكذلك يُظهر الطلاب هذا الخطأ عندما يبالغون في تقدير الأسباب الداخلية وراء عصبية بعض المعلمين. أي أنهم يفترضون أن السبب الرئيس وراء عصبية المعلم هو أنه عصبي بطبعه. وهذا بدلاً من إدراك أن الظروف أو سلوك الطلاب أنفسهم ـــ مثل سوء التصرف أو الاستفزاز المتعمد ـــ قد يكون السبب الحقيقي وراء غضب المعلم.

ترى لماذا ينحاز الناس لتفسير سلوك الآخرين بناءً على شخصياتهم؟

السبب الرئيس وراء انحياز الناس لهذا النوع من الحكم على الناس هو حدوثه بشكل تلقائي ـــدون جهد ووقتـــ بحيث يساعد الناس على إصدار الأحكام واتخاذ القرارات بصورة أسرع. فمن الأيسر والأسرع أن يفترض الإنسان أن سلوك الآخرين هو حصيلة طبائعهم،عوضًا عن محاولة أخذ محيطهم وما يعيشونه من مواقف في الحسبان، وعليه التمييز بين أفعالهم ونواياهم.

وكثيرًا ما يقوم الناس بتطبيق هذا المبدأ حتى مع دائرة المقربين منهم. فتجد بعض الأزواج يتهمون أزواجهم بالعصبية وانعدام رحابة الصدر لمجرد أنهم يتصرفون معهم هم فحسب على هذا النحو، واختلفت تصرفاتهم مع الغير. وذلك أن التوصل لمثل هذا الحكم أسرع وأسهل بكثير من أن يقوم الإنسان بالتعاطف مع الطرف الآخر، والتحاور معه وسؤاله عن سبب عصبيته معه هو بالذات. وماذا يمكن أن يغير هو في تصرفاته بحيث تتغير ردة فعل الطرف الآخر كذلك.

من الأيسر أن ننسب تصرفات الآخرين إلى طباعهم بدلًا من التعمق في ظروفهم… ولكن هذا أقصر الطرق إلى الظلم

كيف نتجنب سوء تفسير الدوافع الحقيقية وراء السلوك؟

في المواقف التي تلاحظ فيها أنك تميل إلى تطبيق هذا المبدأ أثناء الحكم على شخص ما، استحضر في ذهنك مواقف مشابهة كان من الواضح فيها أن سلوك الشخص قد تأثر بشدة بظروفه. وربما يكون أوقع مثال هو موقف يخصك أنت، فالإنسان يميل بطبعه لتبرير طباعه السيئة والتماس العذر لنفسه دون غيره. فتذكر موقفًا أثار أحدهم فيه غضبك فتصرفت بطريقة لا تليق وتنافي طبعك ولا تعكس شخصيتك. فهذا سيساعدك أكثر على التماس العذر للطرف الآخر. وإذا كان ذلك الشخص من الذين تتعامل معهم بصورة يومية أو دورية كزمالة العمل مثلًا، فيحبذ أن تراقبه في مواقف أخرى، مختلفة في ظروفها وملابستها والأشخاص الذين يتعامل معهم فيها. فإذا كانت ردة فعله هي نفسها فحينها سيكون من المنطقي نسبة غضبه أو سوء تصرفه لطبع فيه، لا لظروف تعرض لها أو مواقف خارجة عن إرادته، أو أشخاص تعامل معهم فأثاروا هم غضبه.

كيفية التعامل مع مبدأ الانحياز في تفسير سلوك الآخرين بناءً على شخصياتهم:

فلنكتفِ بتفسير تصرفات الناس بناء على السياق الذي وُضعوا فيه وكفى. فالهالة التي يضع فيها الكثير من الناس المشاهير كالمذيعين ولاعبي الكرة وغيرهم، هي التي تشوه صورة ذلك المشهور كإنسان في أذهانهم حين يتبين من أخلاقه وتصرفاته ـــفي الحياة الواقعيةـــ عكس ما ظهر لهم وهم يؤدون أدوارهم المهنية. أما إذا نظرنا لتلك الشخصية المشهورة على أنه يقوم بعمله الآن كمذيع أو غيره، ولكن هذا لا يعكس بالضرورة شخصيته في الواقع. فإن هذا التفكير المنطقي والمنصف هو الذي سيساعدنا على إنزال الناس منازلهم وعدم إعطائهم أكبر من حجمهم أو دورهم.

التعاطف مع الناس ووضع أنفسنا مكانهم، أحد أقوى الأسلحة في وجه الانحياز والتسرع

أما بالنسبة للتعامل مع أسرنا والقريبين منا، فلنركز على السياقات والمواقف التي يتعرضون لها قبل الحكم على تصرفاتهم واعتبارها جزءًا من أخلاقهم وطبائعهم. ولنضع في اعتبارنا أنه من المستحيل بمكان أن يلزم الإنسان نفس ردود الفعل في جميع مواقف حياته ومع كل الناس وفي كل وقت. لذا وجب ـــمن باب الإنصافـــ مراقبة سلوكيات وأخلاق الإنسان في مواقف شتى قبل إصدار أحكام قد تغدو متسرعة ومجحفة في حقه.

من الضروري الحرص على التحاور مع الشخص ـــمتى تيسرـــ لمعرفة أسبابه ودوافعه قبل الحكم عليه.

وأخيرًا، فإن التعاطف مع البشر ووضع أنفسنا مكانهم هي من أكثر الأمور التي قد تساعدنا على التخلص من هذا النوع من التحيز والتسرع في الحكم عليهم. حيث يكون الإنسان أكثر تعاطفًا مع نفسه في المواقف الصعبة، وقائمة الأعذار التي يلتمسها لنفسه لا حصر لها.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • https://effectiviology.com/fundamental-attribution-error/
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومترجمة من مصر، مهتمة بقضايا التعليم والأسرة والتطوير الذاتي

شاهد أيضاً

الحياد في زمن الظلم: وعي أم تواطؤ؟

في خضم النزاعات التي تعصف بالمجتمعات، يختار البعض أن يلوذ بالصمت، ويتخذ من الحياد درعًا …