الحياد في زمن الظلم: وعي أم تواطؤ؟

الرئيسية » خواطر تربوية » الحياد في زمن الظلم: وعي أم تواطؤ؟
32500df5-af82-4661-a0fd-932594d5e324

في خضم النزاعات التي تعصف بالمجتمعات، يختار البعض أن يلوذ بالصمت، ويتخذ من الحياد درعًا يحتمي به من تبعات اتخاذ موقف. يبررون ذلك بأن الحياد أكثر أمانًا ويجنّبهم التورط في جدال لا طائل منه. لكنهم يتغافلون عن جوهر الخلاف، ولا يكلفون أنفسهم عناء التمييز بين مظلوم وظالم، أو بين حق وباطل.

هذا النمط من التفكير يُعفي النفس من أعباء الانتصار للحق، ويُجنّب صاحبه خصومة الظالم وأذاه. بل قد يسعى صاحبه إلى تجميل موقفه بعبارات "الوعي" و"الترفّع عن المهاترات"، فينتهي به الحال في خانة من يمسكون العصا من منتصفها، بل وربما يثبطون غيرهم عن نصرة الحق.

الحياد ليس خيرًا مطلقًا، ولا شرًا دائمًا، بل يتغير حكمه بتغير الظرف والمقام. لكن تحويله إلى مبدأ دائم، بحجة تجنب الفتنة، يحتاج إلى مراجعة. فالنصوص الشرعية التي تدعو للاعتزال في أزمنة الفتن، لا تنطبق على كل نزاع. ومنها:

حديث النبي ﷺ: "ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم..." (رواه الشيخان).

وقوله ﷺ لحذيفة: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا..." (رواه الشيخان).

وحديث: "كسروا فيها قسيكم..." (رواه الترمذي).

لكن من الخطأ الفادح إسقاط هذه النصوص على كل خلاف أو قضية، خاصة إن كان الصراع بين من يطلب العدل، ومن يمارس الظلم، فذاك ليس من الفتنة التي يُطلب اجتنابها.

إن ترك الوقوف مع المظلوم، بدعوى الحياد، هو في حقيقته خذلان، وهو تخلٍ عن أمر أمر الله به: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}، فإن بغت إحداهما على الأخرى، فلا مكان للحياد، بل "فقاتلوا التي تبغي".

والقرآن يعلّمنا أن التذبذب بين المواقف هو دَيدن المنافقين:
{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَٰؤُلَاءِ} [النساء: 143] {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21]، فيمن يساوي بين الصالح والمفسد.

فما العيب في أن نقول للمحسن "أحسنت" وننصره، ونقول للمسيء "أسأت" ونردعه؟

لقد ميز سلف الأمة بين الفتنة وبين المواقف التي يُطلب فيها الوقوف مع أهل الحق. يقول حذيفة بن اليمان: "لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل."
ويقول الإمام الطبري: "إذا وُجدت جماعة على الحق، لزم الانضمام إليهم وتأييدهم، لأنهم جماعة المسلمين في هذا السياق."

وما أشد وقع حديث النبي ﷺ: "من رأى منكم منكرًا فليغيره..." (رواه مسلم). فكيف إن كان المنكر يستهدف أمة كاملة، ويطحن أرواح الملايين؟!

إن الوقوف مع الحق واجب، وليس خيارًا مزاجيًا. ومن تخلّى عن هذا الواجب، فليعلم أنه يفتح الطريق للظالمين، ويعرض نفسه لعقاب الله: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه" (رواه أبو داود).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

علماء السلطان: حين تتحول الفتوى إلى أداة خيانة

في خضمّ حياتنا، تتقاطع المشاهد، وتتداخل الأصوات، وتتوالى الشعارات بين علماء ربانيين صادقين، وأدعياء علمٍ …