ثبات إخواننا في غزة ثباتٌ أسطوري، ليس له مثيل في التاريخ كله؛ الحديث والقديم، لأنه ثباتُ قِلّةٍ عددية مع قِلّةٍ عتادية في مساحةٍ جغرافيةٍ محدودةٍ جداً، بدون جبالٍ أو غاباتٍ للاحتماء والاختباء، مع حصارٍ محكم، وحربٍ عالميةٍ حقيقيةٍ من إسرائيل وأمريكا وبريطانيا، وأنظمةٍ إقليميةٍ داعمةٍ ومشاركة.
ثباتٌ أسطوري، في حربٍ أسطورية، وخذلانٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ أسطوري، وتآمرٍ دوليٍّ وإقليميٍّ أسطوري.
أسطورةُ الأساطير هي حقاً..!!
ونحن في خذلاننا الأسطوري لإخواننا هناك، نُصفِّق لثباتهم الأسطوري ونُشجّعهم عليه. وكلما عُرضت صفقةٌ جزئيةٌ لإخراج بعض الأسرى الصهاينة في مقابل وقف الحرب وقفًا جزئيًا لِشهور، رجونا في قرارة أنفسنا أن لا توافق المقاومة عليه، فإذا ما رفضت المقاومة، وأصرت على الوقف التام للحرب، مع إصرارها معه على المقاومة إلى آخر رمق، صفقنا لهم مُحيّين، وهتفنا لهم مُعجبين، مُشيدين بذلك الثبات الأسطوري، في ساحة القتال، وفي ساحة التفاوض.
وبعد أن نُصفِّق لهم، نظلُّ في خذلاننا الأسطوري لهم، فلا نحن جاهدنا معهم، وقد كان ذلك فرضَ عينٍ على كل فردٍ في الأمة، لأن العدوَّ استباحَ أرضًا مقدسةً لها، ويقتلُ مع ذلك أبناءها من المسلمين والمسلمات هناك في إبادةٍ جماعيةٍ ليس لها نظيرٌ في التاريخ القديم والمعاصر.
جهادُ أفراد الأمة في هذه القضية فرضُ عين، على كلِّ مستطيعٍ بعينه، وقد حالت الحكومات العميلة والمنبطحة بين أفراد الأمة وبين ذلك.
ثم إننا بعد قعودنا عن نُصرتهم بالجهاد معهم عجزًا عن ذلك بالنسبة للأفراد، وخذلانًا مع القُدرة عليه بالنسبة للحكومات والأنظمة قعدنا عن مدّ يد العون لهم بإمدادهم بالسلاح والعتاد، وعن إمدادهم حتى بالطعام والشراب. وهنا يكون التصفيق لثباتهم هو تصفيقًا لإبادتهم في الحقيقة.
فالذي يُشجّع على الثبات ويُصفّق له، لا بد أن يكون داعمًا له، وإلا كان مُدلِّسًا خائنًا، في أظهر صور التدليس والخيانة، فما كان لقاعدٍ خاذلٍ أن يُشجّع ثابتًا على ثباته في وجه أعتى قوةٍ ظالمةٍ على الأرض، ثم يستمر في قعوده وخذلانه.
الذي يُشجّع على الثبات ويُصفّق له، لا بد أن يكون داعمًا له، وإلا كان مُدلِّسًا خائنًا، في أظهر صور التدليس والخيانة
يُشبه ذلك الصورة التي ذكرها الله تبارك وتعالى للذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، قال تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} [البقرة: 44].
فلا يصح أن يأمر أحدٌ أحدًا بالبر ثم يستمر هو في الإثم والضلالة.. والذي يُعاب في هذه الصورة هو استمرار الذي يأمر بالبر في غرقه في الإثم مع أمره غيره بالبر، ولا يُعاب أمره بالبر على أي حال.... وذلك يعني أن الذي يأمر الناس بالبر ثم يستمر في الإثم، يُقال له: استقم، وأقلع عن الإثم، ولا تتوقف عن الأمر بالبر.
والصورة تُشبه الصورة، فالذي يُصفِّق للمقاومة وللمجاهدين ويهتف لهم، ثم يقعد عن نُصرتهم والجهاد معهم، يُقال له: انصر إخوانك بما تستطيعه، ولا تَخذلهم، ولا تتوقف عن التصفيق لهم والإشادة بهم.
لا ندعو لأن يتوقف أحدٌ عن التصفيق للمجاهدين الثابتين والهتاف لهم، فإن ذلك دعمٌ كبيرٌ لهم؛ دعمٌ نفسيٌّ ومعنويٌّ هائل، وقد قالها يومًا أحد قادة المجاهدين في فلسطين، قال لجماهير الأمة: استمروا في مظاهراتكم وهتافاتكم دعمًا لنا، فأنتم لا تدرون ما تفعله هتافاتكم في نفوس المجاهدين تحفيزًا وتشجيعًا وتثبيتًا.
وقد منع جل الحُكّام جماهير الأمة من الخروج في المظاهرات والمسيرات، دعمًا لإخوانهم المجاهدين بالهتاف والتشجيع والتصفيق، ولم تبقَ إلا صورُ التشجيع والتصفيق الفرديّ على منصات التواصل وفي وسائل الإعلام.
لا ندعو لأن يتوقف أحدٌ عن التصفيق للمجاهدين الثابتين والهتاف لهم، حتى ولو بصورةٍ فردية، كما هو الحال اليوم، فإنه دعمٌ معنويٌّ ونفسيٌّ هائل للمجاهدين، ولكننا ندعو مع ذلك لمدّ يد النصرة والعون، بقدر المستطاع، بل وحتى بكسر القيود واقتحام الحدود التي تحول بيننا كجماهير للأمة العربية والإسلامية وبين نُصرة إخواننا.
ندعو مع ذلك لمدّ يد النصرة والعون، بقدر المستطاع، بل وحتى بكسر القيود واقتحام الحدود التي تحول بيننا كجماهير للأمة العربية والإسلامية وبين نُصرة إخواننا
فلنكسر قيود الخوف أولاً، ولنخرج في مسيراتنا الحاشدة ومظاهراتنا الشاهدة، التي تمثّل أكبر دعمٍ معنويٍّ ونفسيٍّ لإخواننا، وأكبر ضاغطٍ على الحكومات الخائنة العميلة المنبطحة لكي تُغيّر مواقفها وتُنهي انبطاحها.
ثم لنقتحم الحدود التي صنعها العدو لتحول بيننا وبين إخواننا، ثم لينفرد بهم، في إبادةٍ لا نظير لها.
لابد أن تُكسَر القيود وتُقتحَم الحدود، بعد الهتاف والتصفيق للمقاومة وللمجاهدين، وإلا كان هتافُنا وتصفيقُنا لهم مع القعود والخذلان تصفيقًا وهتافًا لإبادتهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.