أدب الأطفال هو "شكلٌ من أشكال التعبير الأدبي، وفنٌّ من الفنون الإنسانية الرفيعة، يُوجَّه إلى جمهور الأطفال، يتميّز بالاهتمام بميولهم وحاجاتهم، وبإثارة انفعالات عاطفية وإحساسات جمالية فيهم، كما يتميّز بملاءمته ـ مضمونًا وأسلوبًا وإخراجًا ـ لمراحل نموهم المختلفة. تكمن أهدافه في تنمية شخصية الأطفال تربويًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، وتلبية حاجاتهم المختلفة، وإطلاق قدراتهم إلى آفاق واسعة".
ومن هنا، فالأدب هو من أوائل منافذ الطفل على هذا العالم، ومن أولى روافده النفسية والفكرية والعاطفية. لذلك، من الاختزال الفاسد التعامل معه باعتباره تسليةً مجردة، دون العناية بتلك الأبعاد التربوية، ودون الالتفات إلى آثار مختلف الوسائط الإعلامية على تكوين الطفل على المدى البعيد.
ويُعدّ الفكر الفلسفي، بما يشتمل عليه من حكمة ومنطق، من المجالات المغفول عنها في أدب الأطفال، سواء من حيث التأليف المعاصر فيه بغزارة تكافئ المجالات الأخرى، أو من حيث العناية بتعريف الطفل على ما تم تأليفه فيه من أمهات المؤلفات وعريقها.
من الاختزال الفاسد التعامل مع أدب الأطفال باعتباره تسلية مجردة دون العناية بأبعاده التربوية
وميزة ذلك التراث أنه يقوم حسّ الطفل ووجدانه على ذلك "الزمن الجميل" حيث الأخلاق الأصيلة، والفهم الدقيق، والفطنة في جوانب التعامل؛ بخلاف السائد اليوم الذي يستمد مادته من الواقع الغالب، ويختزل درجات الأخلاق المختلفة إلى تعميمات سطحية، فلا تفريق بين لين وتسيب، ورفق وتساهل، وشدة وغلظة، وبخل وتقتير... إلخ.
وبالتالي، يساهم ذلك التراث في تشكيل البنية اللغوية للطفل، كما الفكرية والوجدانية، ويعوّده دقة التعبير، وحسن الإبانة عن مكنوناته ورؤاه، ويورثه اتجاهات تربوية في التعامل، تترسخ فيه بمجرد تمثل القصة أو الشخصية التي ترتسم له في الأدب الذي يطالعه.
ومن أمهات أدب الأطفال الفلسفي:
كليلة ودمنة: لابن المقفع
أشعار شوقي للأطفال
وفيما يلي استعراض سريع لكلٍّ منهما:
1. كليلة ودِمنة لعبد الله بن المقفّع
هي مجموعة قصص تُحكى على لسان أبطال من الناس والحيوان والطير، أصلها هندي، ألّفها الفيلسوف "بيدبا" نزولًا عند رغبة ملك الهند "دبشليم" الذي طلب منه أن يؤلف له خلاصة الحكمة بأسلوب مسلٍّ.
ثم نُقلت من الهندية إلى الفارسية على يد الطبيب "برزويه" في عهد كسرى فارس "أنوشيروان"، ثم ترجمها وعرّبها عبد الله بن المقفّع، الأديب والمفكر الفارسي الأصل، الذي اعتنق الإسلام وعاصر كلاً من الخلافة الأموية والعباسية.
تقوم مجموعة "كليلة ودمنة" على المنهج الرمزي المبطّن، إذ ترمز الحيوانات لشخصيات بشرية حقيقية. ومن أبرز هذه الشخصيات: الأسد الذي يُمثّل الملك "دبشليم"، وخادمه الثور "شتربه" الذي يُمثّل الحكيم "بيدبا"، بالإضافة إلى اثنين من ابن آوى هما "كليلة" و"دمنة"، اللذان تُنسج من حواراتهما مختلف القصص.
بالإضافة إلى الرمزية، نجد أساليب أدبية أخرى، مثل القصة الإطارية، والسرد العامر بالصور البلاغية وبراعة الانتقال بين الأزمنة السردية.
والسلسلة زاخرة بتعاليم أخلاقية وحِكم تعمّ الفرد والمجتمع. ومن أبرز القضايا التي تناولتها القصص:
- الوشاية التي تُفسد الصداقة في "حكاية الأسد والثور".
- روح الجماعة في "حكاية الحمامة المطوّقة".
- الحذر من تلطّف الأعداء الظاهري في "حكاية البوم والغربان".
- عمل المعروف في غير موضعه مع ابتغاء الشكر عليه في "حكاية السائح والصائغ".
- وعاقبة تقديم المشورة للغير مع إهمال تطبيقها في "حكاية الحمامة والثعلب ومالك الحزين".
وقد تم تطويع هذه الحكايات لمختلف الوسائط المرئية والمسموعة والمقروءة، ومختلف الأعمار، بما لا يدع حجة لمن يستصعبها باعتبارها "تراثية".
لكن القراءة وسيط لا غنى عنه، من حيث اعتياد الطفل الأسلوب السردي والحبكة القوية، فضلًا عن تنمية الخيال والتصوّر.
ومن الجهود المعاصرة في تبسيطها:
سلسلة "قصص من كليلة ودمنة" الصادرة عن مكتبة مصر.
وسلسلة مشابهة من إصدار دار نهضة مصر.
2. أشعار شوقي للأطفال
يُعد أمير الشعراء أحمد شوقي من روّاد أدب الأطفال، وقائد الدفّة في شعر الأطفال خاصة. وقد تحدّث شوقي عن توجهه هذا في مقدمة "الشوقيات"، متأثرًا بحكايا "لافونتين" الفرنسية، المتأثر بدوره بـ"كليلة ودمنة":
"وجربت خاطري في نظم الحكاية على أسلوب (لافونتين) الشهير، وفي هذه المجموعة شيء من ذلك، فكنت إذا فرغت من وضع أسطورتين أو ثلاث، أجتمع بأحداث المصريين وأقرأ عليهم شيئًا منها فيفهمونه لأول وهلة! ويأنسون إليه ويضحكون من أكثره، وأنا أستبشر لذلك وأتمنى لو وفقني الله لأجعل الأطفال المصريين مثلما جعل الشعراء للأطفال في البلاد المتمدنة، منظومات قريبة المتناول، يأخذون الحكمة والأدب من خلالها على قدر عقولهم".
ويمتاز مضمون شوقي بأنه توجيهي تربوي في المقام الأول، لا لمجرد الطرافة. ومن أشهر قصائده:
برز الثعلبُ يومًا
برز الثعلبُ يومًا في شِعار الواعظينا
فمشى في الأرضِ يهذي **ويسبُّ الماكرينا
ويقولُ: الحمدُ للـه **إله العالمينا
يا عبادَ الله تُوبوا **فهمُ كهفُ التائبينا
وازهَدوا في الطيرِ، إن الـ **عيشَ عيشُ الزاهدينا
واطلبوا الديكَ يؤذنْ **لصلاة الصبحِ فينا
فأتى الديكَ رسولٌ **من إمام الناسكينا
عرضَ الأمرَ عليه **وهْو يرجو أن يلينا
فأجابَ الديكُ: عذرًا **يا أضلَّ المهتدينا!
بلّغ الثعلبَ عني **عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجانِ ممن **دخلَ البطنَ اللعينا
أنهم قالوا وخيرُ الـ **قولِ قولُ العارفينا:
**"مخطئٌ من ظنّ يومًا أنّ للثعلبِ دينًا"