الرؤية الإسلامية للإنسان – منى أبو الفضل

  • Version
  • Download 10
  • File Size 11.64 MB
  • File Count 1
  • Create Date 22 يونيو,2025
  • Last Updated 21 يونيو,2025

الرؤية الإسلامية للإنسان - منى أبو الفضل

يُعد كتاب "الرؤية الإسلامية للإنسان" للدكتورة منى أبو الفضل من الإسهامات الفكرية العميقة التي تسعى إلى تأسيس رؤية حضارية إسلامية بديلة لفهم الإنسان، وذلك في مواجهة النموذج المعرفي الغربي المهيمن على الفكر الإنساني في العصر الحديث. وهو عمل منبثق من مشروع متكامل للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، يهدف إلى بناء علوم إنسانية تنبع من التصور الإسلامي الكوني، وتستمد أدواتها ومنطلقاتها من الوحي والعقل المسلم.

تبدأ المؤلفة ببيان أن الإنسان – بوصفه محورًا للكون – قد حظي باهتمام بالغ في الرؤية الإسلامية، لكن الإشكال يكمن في أن العلوم الإنسانية المعاصرة صاغت مفاهيم الإنسان وفق رؤية مادية علمانية، انطلقت من فلسفات وضعية أو داروينية أو ماركسية، عزلت الإنسان عن بعده الغيبي، وجرّدته من جوهره ككائن مكرّم مسؤول. لذلك تدعو المؤلفة إلى استعادة المفهوم القرآني للإنسان، ليس فقط من منظور عقدي، بل كإطار تأسيسي لبناء المعرفة العلمية في كافة الحقول.

ينطلق الكتاب من فرضية مركزية مفادها أن الرؤية الإسلامية للإنسان لا تقتصر على الوعظ الأخلاقي، بل تُقدّم تصورًا متكاملًا للوجود الإنساني، يتأسس على التكريم، والتكليف، والتوحيد، والاستخلاف. فالإنسان في القرآن ليس مادةً متطورة ولا مجرد عقل مفكر، بل هو خليفة في الأرض، خُلق من طين ونُفخ فيه من روح الله، وهو مكلّف بعمارة الأرض وفق منهج الله، مسؤول عن اختياراته، ومؤهل للارتقاء الروحي والمعرفي إذا تزكّى.

تسعى المؤلفة إلى تقديم إطار مفاهيمي بديل، يعيد ترتيب العلاقة بين الإنسان والكون والمعرفة، ويضع لبنة لمنهج إسلامي للعلوم الإنسانية والاجتماعية، بحيث تنبع من مفاهيم قرآنية أصيلة مثل: الفطرة، التكليف، الأمانة، الابتلاء، الثواب والعقاب، الغيب، العقل، القلب، والنية. وتنبّه المؤلفة إلى خطورة استيراد المفاهيم الجاهزة من الفكر الغربي – مثل الحتمية أو النسبية الأخلاقية أو مركزية الأنا – دون غربلتها أو نقدها، مما يؤدي إلى تشويه التصور الإسلامي، أو تطويعه ضمن نماذج لا تعبّر عن روحه الحقيقية.

تمضي د. منى في طرحها بأسلوب أكاديمي مكثّف، لكنه محكوم برؤية نقدية متماسكة، حيث تُجري مراجعة دقيقة للأنساق المعرفية الغربية، خاصة في علم النفس، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وتُظهر كيف أن تلك العلوم نشأت في بيئة معرفية علمانية اختزلت الإنسان في أبعاده الحسية أو المادية. ثم تُقابلها بعرضٍ لتصوّر الإنسان في ضوء الوحي الإسلامي، الذي يجمع بين العقل والوحي، بين الغيب والشهادة، وبين الفرد والجماعة، وبين الدنيا والآخرة.

واحدة من أهم القيم التي يقدّمها الكتاب هي تأكيده على مركزية الإنسان في المشروع الحضاري الإسلامي، لا بوصفه صانعًا للتاريخ فحسب، بل باعتباره مسؤولًا عن تحقيق مقاصد الشريعة في نفسه وفي محيطه. ولذلك فالرؤية الإسلامية للإنسان ليست فلسفية تأملية فقط، بل عملية توجيهية تنعكس على مناهج التربية، وبناء القيم، وصياغة السياسات، ومفاهيم التنمية.

يصلح هذا الكتاب أن يكون مرجعًا تأسيسيًا للباحثين في قضايا الفكر الإسلامي، ومادة رئيسية في دراسات أسلمة المعرفة، ومفتاحًا لفهم نقدي للعلوم الإنسانية من منظور قرآني. كما يُعدّ مقدمة مهمة لمن أراد أن ينطلق نحو بناء منظومة معرفية متكاملة تنبع من الإسلام، وتستجيب لتحديات الواقع.

Attached Files

FileAction
الرؤية-الإسلامية-للإنسان.pdf تحميل