تُعتبر مسألة كسب قلوب الناس، من بين أهم مفاتيح أي داعية ناجح، وهي – كذلك – من بين أشق المهام، في ظل أنها تتعامل مع أحد أصعب مكونات الإنسان، وهي النفس البشرية، بنوازعها، وكذلك في ظل تعدد الجمهور المستهدف بالخطاب، وبالتالي؛ ضرورة البحث عن أداة ذات طبيعة متميزة لكي تلائم أكبر شريحة ممكنة منه.
والكتاب الذي نطالعه، للداعية المصري الراحل، عباس السيسي، أحد المواد الهامة التي تم وضعها في العقود الأخيرة لكي ترشد الداعية والحركيين بشكل عام، في صدد كيفية التعامل مع الجمهور وكسب قلوب الناس.
والكتاب على صِغَر حجمه؛ حيث يقع في أقل من خمسين صفحة، قسَّمها المؤلف إلى أربعة أبواب؛ إلا أنه جاء مفيدًا لأي داعية أو حركي يتعامل مع المجتمع في هذه النقطة، والتي زاد من صعوبتها عقود طويلة من التغريب والعلمنة، تعرضت لها المجتمعات العربية والمسلمة، مما جعل الخطاب الديني بشكل عام، بعيدًا عن هوى المتلقِّين لصالح قضايا أخرى.
وهذا الكتاب، الذي يمكن أن نطلق عليه مسمى "مانيفستو الدعوة"؛ هو الجزء الثاني من كتاب يحمل ذات العنوان؛ "الطريق إلى القلوب"، وصدر الجزء الأول منه عام 1986م، بينما صدر هذا الجزء، الثاني، عام 1995م.
ويحدد الأستاذ السيسي في مستهل كتابه، الهدف منه؛ حيث يقول إنه يهدف إلى إعادة تعريف الداعية والحركيين العاملين على الأرض، بمهمتهم الأساسية، وهي: "إيقاظ الشعب المسلم الذى نام طويلاً".
ويشير كذلك إلى أن أهم خطر يواجه الحركة الإسلامية والدعوة، هو سعي القوى المناوئة للصحوة الإسلامية، وحددها بالولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، وفي العالم الإسلامي، هو ما وصفه بمحاصرة الاتجاه الإسلامي، وكل جهد ينصب في صالح الصحوة.
وهو في هذا الصدد، يحدد منظومة من الوسائل التي ينبغي العمل من خلالها لتجاوز مختلف العقبات الموضوعة في هذا الصدد، ويبدأ في هذا الصدد بالدعوة الفردية التي أشار إلى أنها تتطلب مواصفات خاصة لدى الداعية الحركي الذي يضطلع بها، ووضع على رأسها التجرُّد والصبر والعلم.
كما تناول ما وصفه بـ"الدعوة الصامتة"، وهي "القدوة الحسنة"، التي ينبغي على كل داعية مسلم أن يتوسلها في حياته، والدعوة بالبلاغ، أي من خلال الوسائل الشرعية، مثل الحديث والبيان، ومختلف الوسائل المنبثقة من روح الإسلام.
والكتاب يحاول أن يؤسس روحًا جديدة لدى الداعية، مبنية على الواقع المُعَاش، وكذلك على الأمل واليقين الذي يحصل عليه من إيمانه، من خلال عرض بعض التجارب، سواء الخاصة بالمؤلف أو تلك التي استقاها من حياة آخرين.
ويقدم في هذا الإطار، مجموعة من النصائح التي تخلق من صاحبها داعية ديناميكي، متحرك وقادر على التأثير، مثل استغلال المناسبات، والتحرك بشكل يراعي المستوى الفكري والتعليمي لمجتمع الدعوة، مع التأكيد على أنه لا ينبغي للداعية الحركي أن يتوقع في كل مرة نتائج سوية، وإنما ينبغي ترك مسألة هداية الناس على الله تعالى، في المحلصة العامة، وأن الداعية عليه السعي والاجتهاد فحسب إزاء ذلك، وليس إجبار الناس على قبول ما يقول؛ حيث يحذِّر من أن الجهل بالدعوة؛ لا ينفي عن الناس الإسلام.
ويميز المؤلف هنا، بين ميدان عمل الواعظ، وميدان عمل الداعية؛ حيث الواعظ يرشد الناس إلى الإيمان بأصول الدين وعقائده، والتمسك بآداب الإسلام، والعمل بأحكامه، وشرح وتفسير القرآن والسُّنَّة، أما الداعية فإنه يحاول أن يضع أيدى المؤمنين على أهداف الإسلام وغاياته، ورسالته العالمية الإصلاحية لإنقاذ البشرية، وتحريرها من العبودية لغير الله تعالى.
وينوِّع المؤلف في تناوله لنماذج حالة ناجحة في هذا الصدد، من الرعيل الأول للصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، ومن العصر الحديث، مركِّزًا على تجربة الإمام حسن البنا، مؤسس جماعة "الإخوان المسلمون"، وكذلك كتابات الشيخ محمد الغزالي.
وطوال مادة الكتاب يقدم المؤلف نصائح للدعاة الحركيين، مثل النقاء والذكاء، والصدق مع الناس، ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، مدعِّمًا ذلك – كما تقدَّم – بمواقف من حياة كبار الدعاة الحركيين في عصرنا الحالي.
File | Action |
---|---|
الطريق إلى القلوب - عباس السيسي.pdf | تحميل |