مذاهب فكرية معاصرة- محمد قطب

من بين أكبر التحديات التي اعترضت طريق الصحوة الإسلامية، بل وشكَّلت عنصر هدم أو – على أقل تقدير – عنصر تغيير في هوية الأمة، هي المذاهب والأفكار الوافدة من خارج النسق المعرفي والقيمي الإسلامي، سواء من الغرب، أو من المدارس الفكرية الشرقية على حد سواء.

وانتبه الكثير من مفكري الحركة الإسلامية إلى الخطر الذي تشكله هذه المذاهب والأيديولوجيات، فبدأوا في الكتابة عنها، سواء لجهة تشريح محتواها، أو لجهة التحذير منها، وكيفية مواجهتها.

ومن بين هؤلاء المفكرين الذين انتبهوا لهذه المسألة، الشيخ محمد الغزالي، والدكتور محمد عمارة، والأستاذ محمد قطب، الذي وضع في الثمانينيات الماضية، سِفْرًا ضخمًا بعنوان "مذاهب فكرية معاصرة"، هو الذي نطالعه الآن.

الكتاب الذي جاء في 654 صفحة، تناول بالنقد والتحليل، سبعة مذاهب وأيديولوجيات أساسية، وهي: الديمقراطية، والشيوعية، والعلمانية، والعقلانية، والقومية والوطنية، والإنسانية، والإلحاد، وأسباب انتشارها بين ظهراني المسلمين، ومخاطرها على هويتهم.

وبدأ المؤلف كتابه بتمهيدَيْن موسَّعَيْن، تناول في التمهيد الأول منها، هيمنة الكنيسة على الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في أوروبا، قبل فصل الدين عن الدولة، وقدم صورة شاملة عن ممارسات الكنائس الأوروبية المختلفة، مثل محاكم التفتيش، و"صكوك الغفران"، وما كان يتم فيها من مهازل كما وصفها المؤلف.

التمهيد الثاني تناول، دور اليهود في إفساد أوروبا، ولاسيما من خلال الاقتصاد، ومن خلال النظريات العلمية الهدامة، التي تتجاوز المكوِّن الفكري الديني، مثل الداروينية.

ينطلق بعد ذلك المؤلف لكي يناقش تفصيلاً السبعة مذاهب وأيديولوجيات سالفة الذكر، ومخالفاتها لصحيح النموذج المعرفي الإسلامي، الذي يبني نظرته إلى الدنيا والكون على أساس ما جاء في القرآن الكريم، وما صادقه من وقائع من حول الإنسان.

ويشير في هذا الصدد إلى نقطة مهمة، وهي تأثيرات الفلسفات القديمة التي سادت أوروبا في مرحلة ما قبل نزول المسيحية، وبالذات المدارس الفلسفية الإغريقية، بكل ما فيها من انحرافات، ولاسيما في مجال العقيدة، وفكرة الألوهية، على الكثير من المكوِّن المعرفي لهذه المذاهب والنظريات.

ويركز في تناوله للشيوعية على وجه الخصوص على فكرة المادية الجدلية، التي تشكل مركزية مهمة الشيوعيين، في نظرتهم للأسرة والمجتمع والتاريخ، وكذلك في المجال الاقتصادي، وغير ذلك، والاختلاف الكبير بينها وبين نظرة الإسلام إلى هذه الأمور.

أما في تناوله للعلمانية والعقلانية، فهو يركز إبعاد كلا المدرستين للدين عن عنصر التأثير على مجالات النشاط البشري المحتلفة، وكذلك على نظرة الإنسان لذاته والكون المحيط به؛ حيث يعلي العقلانيون من قيمة العقل على حساب الدين، ويرفضون منه ما يتنافى مع العقل وفق تصوراتهم، في تجاوز لنقطة قصور العقل البشري، فيما العلمانية تفصل الدين من الأصل عن الدولة والمجتمع.

وطوال هذا السفر الضخم؛ سوف يُلاحَظ أن المؤلف حاول ألا يقف وحده في هذه المعركة الفكرية والحركية الكبرى؛ حيث استأنس واستنجد بالكثير من أفكار الفلاسفة والمفكرين المسلمين المحدثين الذين وجد لديهم ذات الاتجاه التفسيري، والموقف المبدأي، مثل محمد البهي وعباس محمود العقاد، ومحمد الغزالي.

ولقد كانت هناك مركزيتان مهمتان في تناول المؤلف لهذه الأمور كافة، الأولى، السعي إلى إثبات وجود الإله الواحد، خالق هذا الكون، والثانية، هي مخالفة هذه الأفكار والمذاهب لصحيح الإسلام، وأن الإسلام بشموليته، أولى بالاتباع من جانب المؤمنين به، بدلاً من اتباعهم لمختلف هذه المذاهب التي ثبت أن ضررها أكبر من نفعها.