63 عاماً مرت على احتلال فلسطين ووقوعها في براثن العصابات الصهيونية اليهودية التي عاثت في الأرض قتلاً وذبحاً وتنكيلاً بالشعب الفلسطيني بمؤازرة ودعم وتغطية من قوات الاحتلال البريطاني، التي مهدت الطريق لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين تنفيذاً لوعد بلفور الذي أبرمه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عام 1917، فقد احتاجت بريطانيا 30 عاماً فقط لتنفيذ وعدها وجعل "إسرائيل" حقيقة قائمة عام 1948.
ولهذا فإن بريطانيا تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية والقانونية لإقامة دولة لليهود في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، وهي مسؤولية لا تسقط بتقادم الزمن، خاصة وأن الفلسطينيين لا يزالون يدفعون ثمن ما أسسته السياسة البريطانية في فلسطين والمنطقة.
الجزء الآخر من المهمة نفذته العصابات الصهيونية من "الأرغون والهاغاناه والإتسل وليحي والبالماخ وشتيرن" التي مارست أعمالا إرهابية إجرامية بقيادة مناحيم بيغن وإسحق شامير وديفيد بن غوريون ارتكبوا خلالها أكثر من 70 مذبحة قتلت فيها 15 ألف فلسطيني مثل دير ياسين وكفر قاسم وقبية، ودمرت 531 قرية واستولت على مئات القرى والمدن وسيطرت على أراضي وبيوت الفلسطينيين، كل ذلك من أجل تثبيت أركان الكيان الجديد لليهود في فلسطين والذي أطلقوا عليه اسماً توراتياً هو "إسرائيل"، وهو الكيان الذي اعترف به الاتحاد السوفييتي السابق كدولة بعد ساعة واحدة من إعلانه، واعترفت به أمريكا في اليوم التالي، ثم تتالت اعترافات الدول الأوروبية وغيرها بهذا الكيان الذي أنشئ بقرار من الأمم المتحدة ليتخذ شكل دول معترف بها دوليا، في أرض كانت حتى ذلك الحين يسميها العالم والتاريخ "فلسطين"، لتتسبب الأمم المتحدة ومعها أمريكا وبريطانيا، أو بالأحرى الدول المسيطرة عليها بمعاناة الشعب الفلسطيني المستمرة حتى الآن.
راهنت "إسرائيل" ومن يدعمها على تذويب الهوية الفلسطينية مع الزمن، وكان الشعار الإسرائيلي الشهير "الكبار سيموتون والصغار سينسون"، إلا أن هذه النظرية سقطت على أرض الواقع، وأثبتت الأجيال الفلسطينية الجديدة أنها أكثر تمسكاً بفلسطين وبالهوية الفلسطينية من الآباء والأجداد، وأثبت هذا الجيل الفلسطيني أن هويته راسخة وأنه يحمل وطنه معه أينما ذهب، رغم المعاناة والألم والتشرد وضيق ذات اليد، خاصة من الفلسطينيين الذين يسكنون في المخيمات الفلسطينية، ويعانون فيها من شظف العيش وقسوة الأيام.
منذ 63 عاماً والفلسطينيون يعانون من الاحتلال الإسرائيلي ومن بعض الأنظمة العربية، وأسهمت أطراف فلسطينية بالتسلط على الشعب الفلسطيني، فسجون سلطة محمود عباس في الضفة الغربية "أبو مازن" آوت المئات من الفلسطينيين بحجة انتمائهم إلى منظمة غير مشروعة "حماس"، وكذلك سجون حماس في غزة، التي ألقي فيها أنصار حركة فتح، وهي تصرفات رعناء هوجاء لكلا الطرفين، بل إن رئيس سلطة رام الله محمود عباس ذهب لأبعد من ذلك، حينما قبل بيهودية دولة "إسرائيل"، وساوم على التاريخ وتنازل عن الحقوق الأخلاقية والقانونية والتاريخية للشعب الفلسطيني بعد أن تنازل عن الأرض، وتعامل مع المقاومة بوصفها انفلاتاً أمنياً، وليس حركة ثورية تسعى للتحرر من الاحتلال.
سلطة رهنت مستقبل فلسطين بوعود كاذبة، وربطت الشعب الفلسطيني بأموال الغرب، وحولت الشعب الفلسطيني إلى جيش من الموظفين بدل بناء اقتصاد المقاومة مثلما تفعل كل الدول المحتلة وجعلت الاحتلال الإسرائيلي أرخص احتلال في التاريخ.
رغم كل هذا وبعد 63 عاماً من الهزيمة النكراء وضياع فلسطين، فإن مشروع التحرير لا يزال قائما، وجذوة تحرير فلسطين لم تنطفئ، بل شاهدنا الملايين في مصر والأردن ولبنان وفلسطين، يهتفون "الشعب يريد تحرير فلسطين".. إنها صرخة الأجيال الجديدة.
الذاكرة الفلسطينية ليست مثقوبة.. إنها ذاكرة تسجل كل الألم، وظلم ذوي القربى، وليس هناك أكثر رسوخاً من الألم في الذاكرة الفردية والجماعية.
صحيفة الشرق القطرية
