حقيقة يغفل عنها الكثير من أبناء الأمة عن مسلسل التنازل عن الأرض، حيث لم يكن لدى اليهود في عهد السلطان عبد الحميد شبر واحد من أرض فلسطين ،وحتى 1948 م وبرغم المكر والخداع وتسخير الأموال الطائلة لم يستطيع اليهود أن يملكوا سوى 7% فقط من الأرض ،حيث أن 2.7% اغتصبت بالرشاوي سلمها لهم أعضاء حزب الإتحاد والترقي ،و 1.9% أمدها لهم الانتداب البريطاني،و 1.5% بيعت من ممتلكات نصرانية، و 1 % باعها الفلسطينيون لهم . حتى جاءت المؤامرة الكونية على فلسطين التي أعطت 56% من أرضها جملة واحدة إلى اليهود في قرار التقسيم المشئوم .
ولم تكن لليهود أنفسهم رغبة في الهجرة إلى فلسطين الا بالتهديد ، فلقد قاموا بأنفسهم بتفجير سفينة هجرة يهودية كانت متجهة إلى أمريكا حتى يرغموا جميع المهاجرين اليهود للتوجه إلى فلسطين فقط.
ولم تكن لدى الغرب حماسة و رغبة في تهجير اليهود إلى أرض فلسطين ، إلا بغرض التخلص من قذارتهم وخداعهم ،وحتى يصنعوا خطاً حاجزاً لنزوح البربرية الإسلامية إلى الغرب ، كما أوحاه لهم زعيمهم تيودور هرتزل.
و قد طلب اليهود من وزير المالية الروسي أن يساعدهم على الهجرة ، فقال لهم سأساعدكم ولكن ليس إلى فلسطين ،وإنما لإغراقكم في البحر الأسود . ولم يمكنهم الروس من الهجرة الا بعد وصول الحزب الشيوعي الى الحكم .
كما استغلوا كذبة الهولوكوست بشكل كبير لجلب التعاطف والتمكين لهم في أرض فلسطين ،وذلك عن طريق التهجير وشراء الأراضي التي حرموا منها أثنا حكم السلطان عبد الحميد، و شكلت اللجنة الأنجلوأمريكية بعد أن استطاع اليهود أن يصلوا إلى الحزبين الجمهوري و الديمقراطي، و قامت اللجنة بزيارة اليهود في معسكراتهم في أوروبا ،و اتخذوا قرارا فوريا بتهجير 100 ألف يهودي و طرح كل أرض فلسطين للبيع ،ثم جاء قرار التقسيم الذي مكن لليهود في أكثر من نصف أرض فلسطين ،ومن ثمة ازداد نهم اليهود للاستيلاء على مزيد من الأرض ،و قامت حرب الـ 48 من اجل الوقوف ضد هذا القرار ودحر اليهود من أرض فلسطين ،لكن النتيجة كانت زيادة في احتلال الأرض حتى وصلت إلى 70 % ،و الأكثر من ذلك والأمر هو تهجير 58 % من الفلسطينيين، فكانت أول مرة يقتلع الفلسطينيون من أرضهم وكان الشعور بالمهانة و العار لدى الفلسطينيين و العرب عموما، ناهيك عن المجازر المرعبة التي ارتكبوها في دير ياسين وغيرها من القرى الفلسطينية.
وكل هذا كان بسبب التقاعس العربي أولا ،ثمَّ بسبب أوامر الخيانة التي صدرت من أجل الموافقة على وقف إطلاق النار الذي أصدرته الأمم المتحدة ، في وقت كان الخطر محدقا بعصابات الكيان الصهيوني والزحف كان قويا للجيوش العربية و المتطوعين حتى كادت تلحق الهزيمة بهم ، وحتى فكر البريطانيون والإمريكيون بجد أن يتراجعوا عن قرار التقسيم .
و يبدأ مسلسل الخيانة و المزيد من التنازل على الأرض ليستولي اليهود على كامل الأرض،فاحتلوا الجولان و سيناء وجنوب لبنان، فيما يسمى بحرب الـ67 ، و خسائر مهولة ألحقت بالجيوش العربية، ولم يتم التراجع عن هذه الأراضي الجديدة المستعمرة إلا بعد المواقفة الرسمية على عملية التطبيع مع هذا الكيان و رفع الراية البيضاء أمامه بعد حرب الـ73 التي سماها العرب انتصاراً .
ليدخل العالم العربي في مرحلة جديدة من الانكفاء الذاتي والاهتمام بالشأن المحلي ،بعد أن رسخت الهوية الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني، فأصبحت فلسطين قضية الفلسطينيين بعد أن كانت قضية العرب و المسلمين..وانتهى أمر هذه المنظمة بعد اتفاق أوسلو إلى أن أصبحت الراعي لمصالح إسرائيل و المدافع عن بقائها في فلسطين و الحامي لأمنها واستقرارها ، والحريص على راحتها واطمئنانها.
و انتهى أمر هذه الدول العربية إلى أبعد من التطبيع و المصالحة مع دولة الكيان المزعومة،بل أصبحوا الحزام الأمني الواقي من أي خطر على الكيان الصهيوني،والمقاوم لأيّ صوت يدعو إلى تحرير الأرض و استرجاع المقدسات، بل والقامع بقوة لأي ثورة تكون ضمن أهدافها تحرير فلسطين ، بل تحولت الرعاية للكيان الصهيوني من الدول الغربية إلى بعض دولنا العربية، التي أصبحت تتنافس في التقرب لنيل الرّضا من هذا الكيان المغتصب. ولازال اليهود يتوسعون في المستوطنات ، ويخربون البيوت ويهجرون الأهالي ويجرفون المزارع إلى يومنا هذا .
وانتهى أمر هذا الكيان ليبسط سيطرته على القرار العربي ، ومستقبل المنطقة ، وعلى كل أرض فلسطين عدا قطاع غزّة، التي يقوم فيها طلائع التحرير والمقاومة بالواجب نيابة عن الأمة كلها ،والأمل وفي شعوب الأمة جيلا بعد جيل الذين لم يتوقف جهدهم في سبيل تحرير الأرض واسترجاع المقدسات ، ولم تنطفئ جذوة الجهاد في قلوب الأجيال ،حتى يمكن الله لدينه ويمن بالنصر على المستضعفين من أوليائه ويتحقق الوعد الذي جاء في كتابه . (ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) القصص.
