“أسرلة” مناهج التعليم في القدس المحتلة.. محنة جديدة تستهدف المستقبل

الرئيسية » بصائر من واقعنا » “أسرلة” مناهج التعليم في القدس المحتلة.. محنة جديدة تستهدف المستقبل
schools-jerusalem15

يُعتبر الصراع مع الصهاينة، صراعًا زمنيًّا بامتياز؛ حيث يشكل "الزمن" عاملاً شديد الأهمية في وجدان العدو الصهيوني وهو يضع مخططاته التهويدية، ويتعامل مع صيرورات الحدث على أرض فلسطين.

فَمِنَ الحفريات التي تحاول هباءً، أن تستدعي تاريخًا غير موجود، إلى البناء الاستيطاني والدعاية الإعلامية، والنشاط الدبلوماسي، الذي يستهدف تهويد الحاضر، وصبغه بالصبغة "الإسرائيلية"، وصولاً إلى "أسرلة" المناهج التعليمية، والتي تستهدف المستقبل، من خلال التأثير على عقليات وقناعات الأجيال الصاعدة، وتحويل مفاهيمها بالكامل بشأن الصراع مع الكيان الصهيوني.

ولعل هذا الجانب هو الأخطر؛ حيث إن الماضي؛ لن يمكن تغييره، وبالتالي؛ فإن الحفريات مهما استمرت لن تجد إلا كل ما يثبت عروبة وإسلامية فلسطين، وبخاصة القدس المحتلة، التي يركز الاحتلال عليها، فيما الحاضر؛ يستمر النضال الفلسطيني المصبوغ بالدم في كشف كل ما يحاول الكيان الصهيوني أن يصبغه بالصبغة "الإسرائيلية"، ويكشف هذا النضال عن جرائم الصهاينة؛ فيبطل فعل الساحر العبراني، في الإعلام وفي الدبلوماسية.

قادة المشروع الصهيوني وسدنته؛ ما فتئوا يركزون على المستقبل؛ تحقيقًا لمقولة جولدا مائير الشهيرة؛ أن الكبار سوف يموتون والصغار سوف ينسون

لذلك، فإن قادة المشروع الصهيوني وسدنته؛ ما فتئوا يركزون على المستقبل؛ تحقيقًا لمقولة جولدا مائير الشهيرة؛ أن الكبار سوف يموتون والصغار سوف ينسون!..

فقادة الصهاينة، سواء في الكيان أو في بلدان الاستعمار الراعية له، عبر البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، يدركون أنه لن يستقر لهم مقامٌ في فلسطين، ما دامت الأجيال الجديدة الصاعدة، يتم تربيتها على النسق الذي يحفظ عليهم هويتهم، ويكرِّس فيهم قيم النضال والحرية والمقاومة.

ولقد جرَّب الصهاينة ذلك فعليًّا في الانتفاضة الثانية، عندما واجهوا جيل أطفال الحجارة، وقد صاروا رجالاً يحملون البنادق ويطلقون الصواريخ، ويفجرون أنفسهم في قلب مواضع العدو الاستراتيجية.

ومن هنا تأتي أهمية المخطط الصهيوني إزاء قطاع التعليم، والذي يشمل على وجه الخصوص، القدس المحتلة، وفلسطين المحتلة عام 1948م.

ومن هنا يمكن فهم وَضْع رئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو، لزعيم حزب البيت اليهودي القومي اليميني المتطرف، نفتالي بينيت على رأس وزارة المعارف في حكومته، وكذلك يفسِّر ذلك تصريح بينيت الذي قال فيه إن العام 2016م، سوف يكون عام التعليم الإسرائيلي في القدس.

في البداية، وفيما يخص الوضع في فلسطين المحتلة عام 1948م، كشف تقرير جديد صدر عن مركز "طاوب" لأبحاث السياسة الاجتماعية في "الكيان الصهيوني"، صدر في الخامس من سبتمبر 2016م، أن هناك تغيُّرات ديمغرافية واسعة طرأتْ على جهاز التعليم الحكومي والحكومي الديني اليهوديَّيْن، بحيث تراجعت نسبة التلاميذ العرب مقابل ارتفاع نسبة التلاميذ اليهود في كلا جهازَيْ التعليم؛ الحكومي والحكومي الديني.

وذكر التقرير أنه في السنوات الأخيرة ارتفعت وتيرة نمو جهاز التعليم الحكومي والحكومي الديني، ووتيرة نمو جهاز التعليم الحريدي - الذي قال التقرير إنه ينمو بأسرع وتيرة - فيما شهد جهاز التعليم العربي تباطؤًا ملحوظًا.
فخلال العامَيْن 2000م، و2001م، كانت وتيرة النمو في جهاز التعليم العربي 6.7 بالمائة، فيما تراجعت هذه النسبة في العامَيْن 2014م، و2015م، إلى 2.3 بالمائة فقط.

ولكن المأساة الحقيقية في القدس؛ حيث الساحة الأكبر للصراع على قلب وعقل الجيل الجديد الصاعد.

ووفق تقارير لوزارة التربية والتعليم العالي في حكومة رام الله، وتقارير مركز دراسات وبحوث فلسطينية؛ فإن هناك مجموعة من الإجراءات والسياسات التي بدأتها دولة الاحتلال من أجل التأثير على قطاع التعليم في القدس.

ويمكن تصنيف هذه الإجراءات والسياسات الصهيونية لتهويد التعليم في القدس المحتلة، في ركائز أساسية، وهي: استبدال المناهج العربية بتلك التي يتم تدريسها في المدارس العبرية، وتعزيز وجود المفتشين الصهاينة في المدارس العربية، قطع المخصصات عن هذه المدارس، وعدم صيانة المدارس العربية، بما في ذلك عدم تزويدها بالبنى التحتية التي تتطلبها عملية تعليمية ناجحة، أو تتلائم مع متطلبات المرحلة السِّنِّية فيها.

وفي تقرير أصدرته جمعية "عير عميم" الصهيونية العاملة في مجال حقوق الإنسان؛ فإن سلطات الاحتلال في شرقي القدس "تُمارس سياسة التجهيل بحق الطلاب الفلسطينيين، وتحرمهم من أدنى حقوقهم التعليمية التي تكفلها القوانين والأعراف الدولية" بحسب نص التقرير.

من بين أهم المؤشرات التي ذكرها تقرير الجمعية الصهيونية "عير عميم" عن انتهاكات الاحتلال في مجال التعليم في شرقي القدس المحتلة؛ أنه منذ العام 2011م، لم يتم بناء سوى 237 غرفة دراسية من بين 2000 تحتاجها المدينة

وذكرت المحامية أوشرات ميمون التي أعدت هذا التقرير، أن بلدية الاحتلال تعمل على فرض المناهج العبرية على الطلاب الفلسطينيين "في الوقت الذي تحرمهم من حقهم في التعلم عن تاريخهم وهويتهم الفلسطينية".

ومن بين أهم المؤشرات التي ذكرها التقرير عن انتهاكات الاحتلال في مجال التعليم في شرقي القدس المحتلة؛ أنه منذ العام 2011م، لم يتم بناء سوى 237 غرفة دراسية من بين 2000 تحتاجها المدينة!

وحتى وفق أرقام بلدية الاحتلال؛ فإن هذا الرقم – 237 – لا يساوي سوى 18.2 بالمائة من متطلبات المدينة من الغرف الدراسية؛ حيث تعترف البلدية بأن شرقي القدس بحاجة إلى 1300 غرفة دراسية، لاستيعاب طلاب المدارس الخاصة، والمدارس المعترف بها، وتلك غير الرسمية، تُضاف إلى 700 أخرى لاستبدال الغرف الموجودة في مساكن ومبانٍ مستأجرة، ولا تلائم متطلبات العملية التعليمية.

وكانت النتيجة أن ارتفعت نسبة التسرب في أوساط الطلاب المقدسيين العرب مقارنة مع نظرائهم اليهود؛ حيث تصل نسبة من لا يكملون مراحل التعليم الأساسي وما قبل الجامعي، إلى 36 بالمائة من الطلاب العرب، فيما أكثر من 1300 طالب عربي في القدس يتسربون من مدارسهم كل عام!

وتشمل الإجراءات الصهيونية في هذا الصدد، غلق المدارس العربية في شرقي القدس، بحجة البناء بدون ترخيص، ولاسيما في التجمعات البدوية، مثل المدارس الواقعة في مناطق عرب الجهالين، الذين تستهدف سلطات الاحتلال ترحيلهم للاستيلاء على أرضيهم لصالح مشروعات التهويد والاستيطان.

ومن بين أهم المدارس المقدسية التي تستهدفها قوات الاحتلال بإجراءاتها التعسفية، مدرسة ثانوية الأقصى الشرعية للبنات؛ حيث يبلغ عدد طالباتها 90 طالبة فقط، من بينهنَّ 9 فقط التحقن بها في العام الدراسي الجديد، 2016/2017م، وذلك بسبب تضييق قوات الاحتلال على الوافدين إلى المسجد الأقصى، واستهدافها طالبات المدرسة؛ حيث عمدت إلى منع دخولهن إلى البلدة القديمة أو التوجه إلى المدرسة.

وبعد؛ فإن الأرقام والحقائق الموضوعية في هذا الصدد يمكنها أن تملأ مجلدات، في مقابل صمت عربي وإسلامي، وعجز من جانب السلطة الفلسطينية عن التصدي لهذه الإجراءات بسبب غياب الإرادة السياسية لها.

ولعل أبرز مشكلة في هذا الصدد، هو عدم وضوح خطورة وأهمية المخططات الصهيونية في هذا المجال؛ حيث هي مهدد حقيقي للهوية الفلسطينية باعتراف تقرير "عير عميم" الصهيونية ذاتها!..

إجراءات الحركة الوطنية والإسلامية الحالية، ممثلة في تعضيد خيار المقاومة، بما يحفظ للفلسطينيين وهج الحالة الثورية، ووهج القضية، في ضمائرهم؛ من بين أهم ما يجب تدعيمه

ومن هنا، تبقى حقيقة موضوعية شديدة الأهمية، وهي أن إجراءات الحركة الوطنية والإسلامية الحالية، ممثلة في تعضيد خيار المقاومة، بما يحفظ للفلسطينيين وهج الحالة الثورية، ووهج القضية، في ضمائرهم؛ من بين أهم ما يجب تدعيمه.

وكذلك إقامة الأطر الفصائلية للحركة الوطنية والإسلامية، لفصول مصغَّرة للتلاميذ والطلبة من مختلف المراحل والأعمار ما قبل الجامعية، ولاسيما في مراحل التكوين الأوَّلي الحرجة.

هذه هي أهم ضمانات مواجهة مثل هذا المخطط؛ إلى حين حصول تغيير سياسي حقيقي في مكون السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، يسمح بتحول هذا الجهد إلى أطر وسياسات رسمية، أما التعويل على أي موقف عربي أو إسلامي، وبالذات الرسمي؛ فهذا في ذمة الله!..

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

صفحة من التاريخ الأسود للموساد!!

إن العقيدة الراسخة للكيان الصهيوني المحتل هي ملاحقة واغتيال كل من له دور في مناهضة …