لقد عملت "إسرائيل" منذ عقود من الزمن على محاصرة الدول العربية من ميدان غير متوقع ومن ظهرها المكشوف ومن عمقها الأفريقي ، كما جاء على لسان الجنرال "حاييم لاسكوف رئيس الأركان العامة الأسبق للجيش الإسرائيلي" ،ليتوج هذه السنة بزيارة نتنياهو لدول منبع النيل في شرق إفريقيا، وتقدم بطلب إلى الإتحاد الإفريقي من أجل أن تكون إسرائيل عضو مراقب فيه، ورفع شعار حميمياً " "إسرائيل" تعود إلى إفريقيا وإفريقيا تعود إلى "إسرائيل" فوجدت فرصتها في ظل تخلي الدول العربية عن عمقها الإفريقي والهرولة للتطبيع مع هذا الكيان ، وفي ظل تنافس كبير للدول الكبرى على ثروات إفريقيا.
وقد هذه القارة التي أخذت موقفا زمن الحرب الباردة لمقاطعة إسرائيل باستثناء ساحل العاج، حتى سارعت الدول العربية بالتطبيع فكانت حجة لبعض الدول أن تحذو حذوها، لتضيف حصاراً جديداً على فلسطين.
واستغلت "إسرائيل" بعض الشعوب الإفريقية التي تعاني من الفقر والجهل ،والذين مازال فيهم عبدة الأوثان والحيات و يشكلون 20 بالمائة في بوركينافاسو، ومازال هناك من يعتبر القضية الفلسطينية هي صراع بين بني إسماعيل وبني إسحاق، ومن تطور به الوعي بالقضية الفلسطينية فهو يعتبرها قضية عربية لا تهم الأفارقة إلا من جانب إنساني ، ومنهم من يعتبر الحديث عن فلسطين إنما هو حديث عن الإسلام وهذا يعني الحديث عن الإرهاب كما هو الحال في الطوقو الذي كان لرئيسه عدة زيارات إلى "إسرائيل"، ليأتي التشويه بطريق مبتكرة لمن أصابه وعي بإسلامية القضية الفلسطينية حيث عمد هذا الكيان باستغلال الأئمة في دولة مثل السينغال، وأخذهم في رحلات دورية إلى إسرائيل ، ليرجع الإمام ويلقى خطبته فيمجد "إسرائيل" من على المنبر ويصفهم بأنهم قوم مسالمون ويطعن في الفلسطينيين ويصفهم بأنهم إرهابيون ، ويقومون بتوزيع الأضاحي يوم العيد على المسلمين ويوزعون الدراجات على المعاقين.
وكل هذا حصاد جهد كبير وخلال عقود من التهويد والتمسيح، ومحاولات اختراق حكومات الطوق العربي بشراء الذمم والانقلابات.خصوصاً دول الطوق العربي ومنابع المياه والثروة .
أما الغالبية من الشعوب الإفريقية فيملكون وعيا كبيرا عن الأقصى وبيت المقدس، أخذوه صافيا نقيا طاهرا من القرآن الكريم، تعرفوا عليه من خلال قراءتهم للمصحف الشريف .فأدركوا أن الأقصى عقيدة ، وأنَّ فلسطين إسلامية وتحريرها واجب المسلمين جميعا . وكل هذا جاء بجهد أبناء الحركة الإسلامية خلال عقود من الزمن، رغم قلة الزاد بمقابل ما تنفقه أوربا على حملات التبشير و"إسرائيل" على حملات الاختراق للحكومات الإفريقية .
وقد وجدت الحركة الإسلامية مناخا من الحريات، وتسهيلاً من كثير من الحكومات وترحيبا من الشعوب الإفريقية، بل ودعماً حكومياً كاملاً أحياناً لنشر الدعوة وللقضية الفلسطينية كما هو الحال في دولة مالي مثلا، حيث عملت الحكومات المتتالية، على دعم القضية وفتح سفارة لفلسطين، بل قام موسى طراوري بتعين سفير فلسطين رئيساً لجميع السفراء إكراما لفلسطين، وقام الرئيس عمر كوناكري بتسمية شارع رئيسي بشارع القدس، ووضع نصباً تذكارياً لمحمد الدرة، وأوقف هكتارات من المزارع لصالح الشعب الفلسطيني، ورئيس غانا الذي خاطب الغينيين في عيد الاستقلال "إن استقلال غانا لا يعني شيء إذا لم تتحرر كل الدول الإفريقية وكذا كل الدول المستعمرة في العالم" ، ففهم الغانيون أنه يقصد فلسطين المحتلة ،فصار كل الشعب الغاني مع فلسطين منذ ذلك الحين. وأصبحت القضية الفلسطينية تدرس في المدارس والجامعات الإفريقية وتقام لها الندوات والمؤتمرات، وتذاع في المحطات الفضائية. كما اشتهر النشطاء الإفريقيون بما يسمونها بسينما الشارع التي يعرضون فيها الأفلام الوثائقية والمحاضرات عن فلسطين .
وجاء ملتقى القدس الثاني الذي حمل عنوان " إفريقيا تجدد العهد لبيت المقدس "الذي عقد في نواكشوط بإشراف الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني تحت رعاية الشيخ العلامة محمد الحسن الددو والقائد الفلسطيني أسامة حمدان ليعطي جرعة إضافية لمقاومة التطبيع ويضع حدا للزيارات التي ينوي القيام بها نتنياهو إلى غرب أفريقيا ومؤتمر ما يسمَّى بـ "القمة الإفريقية الإسرائيلية "، فجاء هذا الحدث ليوحد الجهود وينسق الأعمال ويرص الصفوف للحركات المقاومة للتطبيع في إفريقيا، ويجدد العهد للدفاع عن بيت المقدس حتى تحرير القدس وفلسطين ، ويرفع الظلم عن أهلها ، وترجع إلى أحضان الأمَّة الإسلامية.
