الإخوة والأخوات، إنّ الليالي والأيام هي رأس مال الإنسان في هذه الحياة، وإن الوقت هو عمره الحقيقي، وهو يمرُّ مرّ السحاب، ولهذا فإنّ من أمضى يومه يومه في غير حق قضاه، او فرض أدّاه أو خير أسسه أو علم اقتبسه فقد عقّ يومه وظلم نفسه.
كثيرةٌ هي النصوص النبوية في بيان أهمية الوقت والحث على اغتنامه وعدم إضاعته، وبيان أنّ العبد مسؤولٌ عنه يوم القيامة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغتنمْ خمسًا قبل خمسٍ شبابَك قبل هرمكَ وصحتَك قبل سَقمِكَ وغناكَ قبل فقرِك وفراغَك قبل شغلِك وحياتَكَ قبل موتِك).
وعن أبي بَرْزَة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه)، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: " نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، فلنغتنم أخوتي في هذا الشهر المبارك والموسم العظيم كل ما يمكننا اغتنامه من الطاعات، ونُقبل على الله عزوجل بقلوبنا وجوارحنا.
يقول ابن رجب رحمه الله: ( وما من هذه المواسم الفاضلةُ موسمٌ إلا وللَّهِ تعالى فيه وظيفةٌ من وظائفِ طاعاتِهِ، يتقرَّبُ بها إليه، وللَّهِ فيه لطيفةٌ من لطائفِ نفحاتِهِ، يُصيبُ بها من يعودُ بفضلِهِ ورحمتِهِ عليه، فالسعيدُ من اغتنمَ مواسمَ الشهورِ والأيامِ والسَّاعاتِ، وتقرَّبَ فيها إلى مولاهُ بما فيها من وظائفِ الطَّاعاتِ، فعسى أن تصيبَهُ نفْحةٌ من تلكَ النَّفحاتِ، فيسعدُ بها سعادةً يأمَنُ بعدَها من النَّارِ وما فيه من اللَّفَحَاتِ).
ويقول ابن الجوزي: (فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون، فالفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم).
وإنّ من علامة المقت إضاعة الوقت كما قال أحد السلف الصالح.
اللهم بارك لنا في أوقاتنا واعمارنا وأعمالنا، ووفقنا لاغتنام الأوقات في الباقيات الصالحات، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
________________________
أستاذة الحديث النبوي وعلومه - كلية الشريعة والدرسات الإسلامية -جامعة اليرموك
