سفينة الحياة

الرئيسية » بأقلامكم » سفينة الحياة
photodune-3915180-family-xs_2

يقود الرجل سفينة بيته عشرين أو ثلاثين عاما، وقد يكون ناجحا في هذا، ولكن عندما يكبر أبناؤه، يقع أحيانا أن تتغير نظرتهم له، فلا يرونه ناجحا بالقدر الذي ينبغي، ولا تعجبهم بعض قراراته الجديدة، ويظهر منهم التبرم على أدائه، وقد تشترك الزوجة في هذا وبخاصة عندما تكون الحال المادية أقل من تطلعاتها (وهذا ما يقع غالبا).

لسان حال أهل البيت: تنح عن قيادة المركب، فقد تجاوزك الزمن، ولم تعد تصلح لهذا!!

يؤدي هذا الموقف إلى حالة مأساوية يقف إزاءها رب البيت أمام مواقف ثلاث:

الأول: هو الغضب والشدة وتخوين العائلة، والرد بعصبية على مقترحاتهم، مما يفاقم الحالة، فينكفئ الأهل ابتعادا عن عصبيته التي لا يرونها مبررة، وتتأزم العلاقة وصولا إلى اليوم الذي تنهار فيه سلطة الأب-وهو يوم قادم لا محالة- فيجد نفسه وقد أزيح عن مقعده الدائم، وتحول إلى نكرة لا يستشار.

والثاني: الذي يقع من ضعاف الشخصية، هو الانزواء المبكر، والتقاعد عن تيار الحياة، وهذا يسبب مشكلتين في خطين متوازيين هما انقطاع الرجل عن تجديد حياته، فيذوي مبكرا، وانقطاع الأبناء عن خبرات الأب وتاريخه النضالي.

الموقف الصواب الذي يجب أن يتخذه الأب بتوازن هو الوسط .. بأن يفسح المجال للأسرة بالتدخل في القرارات الهامة ضمن ضوابط صحيحة، ولكن أمرا كهذا يحتاج إعدادا مبكرا في تربية النشء وإدارة الأسرة، أمر لا يأتي فجأة بعد شيخوخة.

ويمكن تلخيص هذا الإعداد المطلوب في اتجاهين:

الأول: يبدأ مبكرا من حسن اختيار الزوجة، ثم تربية الأولاد على البر والطاعة واحترام الوالدين، ولكن -في ذات الوقت- يعلمهم الاستقلالية والجرأة في قول الرأي أمام الأب والأم دون انقاص الأدب والاحترام.

والاتجاه الثاني: أن يتفهم تطور الأفراد من حوله، وأن زمانهم قادم لا محالة، وزمانه متراجع لا محالة، وأن يتقبل ذلك بهدوء، بل بسرور الشخص الذي يدرك طبائع الأشياء والحياة، وهذا مؤداه أن يفسح المجال للأولاد بالمشاركة في اتخاذ القرارات التي تخص المجموع، بلا إخلال قوامة الأب صاحب الكلمة الفصل الختام.

من الضروري أن يعتاد الولد قول رأيه بكل أريحية، فلا الأب يعتبرها وقاحة، ولا الولد يرى في ذلك حرجا.

إن تداخل عهدين ليس أمرا سيئا، بل هو جيل يسلم إلى جيل، تطور طبيعي تقتضيه الحياة، وعلى الأب أن يروض نفسه على تقبل ذلك بسرور (لا مجرد تقبل المستسلم: "تقبلناه، وأمري لله" كما يفعل المهزوم).

بل يجب أن يكون لسان حاله: ما شاء الله كبر الأولاد واستغنوا عن الناس، وحتى عن أبيهم، أمر مفرح، ثم ينتظر اليوم الذي يجلس فيه على عرش المتفرج (الملك الذي يملك ولا يحكم) والكل يؤدي له فروض الطاعة.

يقول الإمام علي: "علموا أولادكم غير ما تعلمتم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مهندس أردني مقيم بين الدوحة وعمان، روائي وكاتب مهتم بالقضايا العامة، الإسلامية والاجتماعية والتربوية. صدر له: - حاجز الزمن، وهي قصة من الخيال العلمي - الضوء المنحني، وهي قصة من الخيال العلمي - المهاجر، قصة لاجئ في النكبة - صحبة البر، وهو كتاب في أدب الرحلات - الخبز الأحمر في تذكرة أحوال طوفان الأقصى

شاهد أيضاً

كيف حوّل اليهود المال والجنس إلى أدوات للهيمنة السياسية؟

لطالما كان اليهودُ دهاقنةَ الرِّبا والدَّعارة على مدى التاريخ، أينما حلّوا. قرأتُ هذه العبارةَ – …