القصص التي تبني الإنسان.. أو تهدمه

الرئيسية » بأقلامكم » القصص التي تبني الإنسان.. أو تهدمه
reading story1

تشكل القصص ذاكرة الشعوب، وتختزن القيم التي يستخرجها العقل اللاواعي أثناء سيره في مسارات الحياة المختلفة. وللقصة أثرٌ غائرٌ وعميق في تكوين الشخصيات، قد يعجز الباحث اليقظ عن التفطن إليه، إذ يعمل كضوءٍ يأتي من الخلف، يضيء الطريق.

أنت ترى الطريق، ولكنك لا ترى مصدر الضوء.

وللشعوب قصصٌ وأساطير شتى؛ منها ما يشجع على الخير والفضيلة وتمام الأخلاق، ومنها ما يغرس معاني الشدة والقسوة ويبرر الأذى والإساءة، ومنها ما يدعو إلى الذل والخنوع، ومنها، ومنها...

تكمن خطورة القصة في جمالها وسحرها وجاذبيتها؛ فهي تُرضِع مع الدسم من لبانها قيماً ومفاهيم شتى. والقصة بلا سحرٍ ولا جمال لن يكون لها التأثير الفاعل. وقل مثل هذا في الأشعار والأغاني، بل في العلوم الجافة؛ فكم من قصيدة ذاعت لما احتوته أجواؤها من إثارة القصص، وإن لم تبلغ من اللغة شأوًا عاليًا، وكم من أغنية فعلت أفاعيلها في الناس إذ تختزن أجواء القصص، وكم من موضوع علمي فشل في النفاذ إلى الأدمغة إلا بعد أن تقولب في قصة.

تكمن خطورة القصة في جمالها وسحرها وجاذبيتها؛ فهي تُرضِع مع الدسم من لبانها قيماً ومفاهيم شتى

ويقفز إلى ذهني الآن روائي عربي مشهور، لن أذكر اسمه قطعًا لطريق الجدل واكتفاءً بالمقصد، انتشرت رواياته كالنار في الهشيم، وكان سبب ذيوعها خصوبة الموضوع، ولو أنك حاكمته إلى النقد الأدبي لوجدت لغته بسيطة متواضعة، ويشوب أسلوبه السردي بعض العيوب.

أخطر القصص ما يُقذف في عقول الأطفال؛ فإن الأثر في الصغر كالنقش في الحجر.

يركز كثير من قصص الأطفال على المكسب السهل (العثور على الكنز، مصباح علاء الدين، السمكات الذهبية، الأوزة التي تبيض ذهبًا... إلخ).

وهناك الكثير من القصص التي تركز على الجمال الحسي الخارجي (سندريلا، بياض الثلج، العجوز قبيحة، الشرير قبيح، الشاب وسيم).

وهناك قصص تحكي الحروب بين الشعوب وتفرزهم إلى أشرار وأخيار، لكن الفرز هنا مبني على العنصرية، لا على مبادئ أخلاقية مثبتة.

وعلى العكس، هناك قصص ترفع من قيم النخوة والشجاعة والكرم، وهناك، وهناك...

أعرف رجلًا تأثر في طفولته بقصة عن ثريٍ يجمع المال بهمةٍ عالية، لكنه كان وافر السخاء، جمّ العطاء، يصرف على المعوزين، وبنى على نفقته جسرًا هدمه السيل في قريته، فاختار صاحبي هذا أن يجعل من هذه القصة منهجًا لحياته، ومن هذا الرجل قدوته وأمثولته.

وأعرف من تأثر بقصة الراعي الكذاب، فعزم ألا يكذب كي يحتفظ برصيد صدقيته لدى أبناء آدم.

وأعرف من تأثر بقصة الناسك والشيطان، فأدرك أن فساد النية مفسدٌ للحياة.

إذًا، لا عجب أن كان ثلث القرآن من القصص التي تغرس العقيدة، وتربط الناس بالخالق، وتبث فرائد الأخلاق.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مهندس أردني مقيم بين الدوحة وعمان، روائي وكاتب مهتم بالقضايا العامة، الإسلامية والاجتماعية والتربوية. صدر له: - حاجز الزمن، وهي قصة من الخيال العلمي - الضوء المنحني، وهي قصة من الخيال العلمي - المهاجر، قصة لاجئ في النكبة - صحبة البر، وهو كتاب في أدب الرحلات - الخبز الأحمر في تذكرة أحوال طوفان الأقصى

شاهد أيضاً

كيف حوّل اليهود المال والجنس إلى أدوات للهيمنة السياسية؟

لطالما كان اليهودُ دهاقنةَ الرِّبا والدَّعارة على مدى التاريخ، أينما حلّوا. قرأتُ هذه العبارةَ – …