تسنيم عبد الرحمن النمر 28 أغسطس,2025 بصائر تربوية

هل سبق أن قال لك أحدهم ألّا تفعل شيئًا ما، فشعرت برغبة لا تقاوم تقريبًا للقيام به؟ هذا هو ما يُعرف بعلم النفس العكسي، وهي حيلة يستخدمها الناس للإقناع وتتضمن الترويج لسلوك مختلف أو معاكس للنتيجة المرغوبة. أي أنك بهذا الأسلوب تروج لعكس ما تريد تحقيقه تمامًا. وهدفه هو تشجيع الشخص الآخر على فعل ما ترغب أنت به فعليًا. مثال ذلك: أن يُصر أحد الوالدين على أن طفله لن يحب نوعًا معينًا من الطعام، مما يدفع الطفل إلى رغبته في تجربته، أو أن يمنعك صديقك من مشاهدة برنامجه المفضل، مما يجعلك ترغب أكثر في معرفته.

ورغم أن ذلك قد يُعتبر وسيلة للتحكم في سلوك شخص آخر، إلا أن علم النفس العكسي قد يُستخدم أيضًا كشكل من أشكال التلاعب. فعادةً لا يُدرك الشخص الذي يقع عليه هذا الأسلوب ما يجري فعلًا، وقد لا يكون مدركًا تمامًا للدوافع الحقيقية للطرف الآخر. ورغم أنه قد لا يكون من السهل دائمًا التعرف عليه، فإن فهم علم النفس العكسي وكيفية عمله قد يساعدك على ملاحظته في حياتك الخاصة ومعرفة متى يمكن استخدامه بفعالية ودون أن تؤذي الآخرين.

علم النفس العكسي هو أن تروّج لعكس ما تريد تحقيقه، لتصل إلى ما ترغب به فعليًا

أمثلة على علم النفس العكسي:

الاستراتيجيات التسويقية والبيعية كثيرًا ما تستخدم علم النفس العكسي لتشجيع الناس على شراء السلع والخدمات. على سبيل المثال، قد يُقدِّم البائع عرضًا عالي السعر ويضغط على الزبون للشراء، لكنه في الحقيقة يحاول دفع الزبون ليرد بعرض أقل بكثير وهو ما كان يريده البائع منذ البداية. كما يستخدم الآباء علم النفس العكسي لدفع أطفالهم لفعل ما يريدونه. فمثلًا، قد يقول أحد الوالدين لطفله: "لا تنظف غرفتك!"، على أمل أن يقوم الطفل بالعكس تمامًا. ومثال آخر، فقد تقول أم لطفلها: "أنا أعرف أنك لن تأكل من هذا النوع من الطعام" بغرض إغرائه ليأكل منه.

علامات علم النفس العكسي:

يعتمد علم النفس العكسي على ظاهرة نفسية تُعرف بـ "ردة فعل سلبية قوية" تجاه محاولة شخص ما إقناعك بشيء معين. وبسبب ردة الفعل تلك، تقوم بعكس ما يحاول الشخص دفعك للقيام به. والسبب في هذا هو أننا أحيانًا حين نواجه محاولة لإقناعنا بفعل ما، فإننا نرد بمقاومته أو رفضه، خاصة إذا شعرنا بأنه يهدد شعورنا بالاستقلالية وقدرتنا على التحكم في أفعالنا.

علامات من شأنها مساعدتك على اكتشاف هذا النوع من التأثير:

شعورك بأن الشخص يريد منك فعل شيء معين، حتى لو لم يطلبه منك مباشرة.
تكرار الشخص لنفس الفكرة لدرجة تدفعك لفعل العكس تمامًا.
سيصبح لدى الشخص مصلحة أكبر إذا قمت بعكس ما يقترحه.
الاختيار الذي يدافع عنه الشخص لا يتماشى مع اختياراته المعتادة.

أحد الدلائل على أن شخصًا ما قد يستخدم علم النفس العكسي هو أنه يبدأ فجأة في معارضة سلوكٍ هو عادةً يفضّله. مثلًا: إذا كنت تحاول اختيار فيلم لمشاهدته، وبدأ صديقك الذي يحب الأفلام التاريخية فجأةً بالدعوة لمشاهدة فيلم مغامرة، فقد يكون يحاول دفعك لاختيار الفيلم الذي يريده هو فعلًا لكن بطريقة غير مباشرة.

أحد الدلائل على أن شخصًا ما قد يستخدم علم النفس العكسي هو أنه يبدأ فجأة في معارضة سلوكٍ هو عادةً يفضّله

كيفية استخدام علم النفس العكسي:

إذا كنت تريد استخدام علم النفس العكسي للتأثير على شخص آخر، فهناك بعض الأساليب التي يمكنك تجربتها:

التقليل من أهمية السلوك المرغوب فيه، بقولك: "لا يجب أن تفعل ذلك."
منع السلوك المرغوب فيه، بأن تقول: "لا تفعل هذا."
الإيحاء بعدم قدرة الشخص على القيام بما تريده منه، وذلك بأن تقول له مثلًا: "أعلم أنك لن تستطيع فعل ذلك أصلاً."
ذم السلوك الذي ترغب منه القيام به بأن تقول: "أنا شخصيًا لن أختار هذا."
مقارنة السلوك المرغوب فيه بسلوك آخر كأن تقول: "يجب أن تفعل هذا لأنه أفضل بكثير من ذاك."

متى يكون هذا الأسلوب أكثر فعالية؟

عادةً ما ينجح علم النفس العكسي بشكل أكبر مع الأشخاص العنيدين والذين يصرون على رأيهم وإن كان خطأ. أما الأشخاص الطيعون واللينون في تعاملهم، فالطلب المباشر معهم يكون أكثر فعالية.

جوانب علم النفس العكسي:

الجوانب الحسنة:
يمكن أن يكون وسيلة ذكية لدفع الآخرين لفعل ما يصب في مصلحتهم. مثلًا، قولك لطفلك: "لا تأكل الخضار فأنت لا تحبه"، قد يدفعه إلى تناولها وهو مفيد لصحته، وسيشعر في نفس الوقت أنه هو من اتخذ القرار. مع الأشخاص الذين يميلون إلى التمرد وخرق القواعد، قد تكون طريقة فعالة لتشجيع سلوك اجتماعي مقبول ومرن بطريقة غير مباشرة.

الجوانب السيئة:
قد يشعر الأشخاص بأنهم مُتلاعب بهم، مما يؤدي إلى انعدام الثقة في من يستخدم هذه الأساليب. كما قد يضر هذا الأسلوب الأشخاص الذين لا يثقون أصلًا في أنفسهم. فإذا أخبرتهم بعكس ما تريده، فقد يتبعون كلامك حرفيًا مما قد يؤدي لعواقب وخيمة.

نصائح أثناء استخدام علم النفس العكسي:

في بعض المواقف، قد يكون علم النفس العكسي أداة فعالة خصوصًا مع الأطفال، أو المراهقين العنيدين، أو البالغين ذوي الشخصية المعارضة.

لكن إذا قررت استخدامه، فضع في اعتبارك ما يلي:

لا تستخدمه للتلاعب بالناس أو خداعهم.
اعرف متى يكون استخدامه ملائمًا خصوصًا مع الأشخاص العنيدين أو الذين يحبون الجدال.
ذكّر الطرف الآخر بأنه يملك حرية الاختيار كذلك.
لا تجادل كثيرًا في سبيل الاختيار الذي لا تريده فعلًا.
كن مستعدًا لتحمل النتائج إذا اختار الشخص الاختيار "الخطأ" من وجهة نظرك.

ماذا إذا شعرت أن أحدهم يستخدم معك علم النفس العكسي؟

اسأله عن أسباب اختياره أو اقتراحه لما يدعو إليه.
حاول أن تستنتج ما الذي يريدك فعلًا أن تختاره، ثم قرر ما إذا كنت ستختار العكس أو تطرح خيارًا ثالثًا مخالفًا تمامًا.
لا تخش مواجهة الشخص إذا شعرت بأنه يتلاعب بك. فبمجرد أن يعرف أنك فهمت ما يحاول فعله، سيقل احتمال تكراره لهذا الأسلوب معك في المستقبل.

فكّر قبل أن تستخدم هذا الأسلوب: كيف ستكون مشاعرك لو كنت مكان الطرف الآخر

عواقب استخدام علم النفس العكسي:

قبل أن تستخدم علم النفس العكسي، فكّر في المخاطر التالية:

إذا شعر الآخرون بأنك تحاول عمدًا التلاعب بهم، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة ثقتهم بك.
إذا أصبح هذا السلوك متكررًا، فقد يشكون في حسن نواياك ويتوقفون عن الاستماع لنصائحك.
إذا كان الشخص الذي تحاول التأثير عليه شخصًا متعاونًا ويقدّر ويحترم رأيك، ويفضل الموافقة على الأمور بدلًا من المعارضة والصدام، فقد ينتهي بك الأمر إلى الحصول على عكس ما كنت تريده فعلًا. وفي تلك اللحظة، ستصبح أمام خيارات ثلاثة: إما الاعتراف بأنك كنت تحاول التلاعب، أو أن تحاول تبرير تغيير رأيك المفاجئ، أو أن تستسلم وتوافق على الرأي الذي لا ترغب فيه.

وأخيرًا، فإن علم النفس العكسي هو أسلوب إقناع شائع قد يساعد البعض على اتخاذ قرارات أفضل مما كانوا سيفعلونه عادةً، مثل جعل طفل صغير يختار تناول التفاح بدلًا من الحلوى. لكنه من جهة أخرى قد يجعل الآخرين يشعرون بالتعرض للتلاعب. فقبل أن تستخدم هذا الأسلوب، فكّر في مخاطره، وتخيّل كيف ستكون مشاعرك لو كنت مكان الطرف الآخر. وحاول العثور على أساليب تشعر جميع الأطراف بأن رأيهم محتَرَم ومقدَّر.