صار هناك اتجاه متزايد بين الأزواج الأكبر سنًا للطلاق. فلماذا يقرر الأزواج الأكبر سنًا ـبعد أن قضوا ما يقارب نصف حياتهم معًاـ إنهاء زواجهم؟ تُعرف هذه الظاهرة باسم "طلاق كبار السن"، ويمكن أن تلعب عوامل مثل تغير الأولويات، والمشكلات المالية، وانخفاض وصمة العار المرتبطة بالطلاق، دورًا في ذلك.
ما هو طلاق كبار السن؟
هو الطلاق الذي يحدث بعد سن الخمسين، عقب زواج طويل الأمد. فهؤلاء الأشخاص غالبًا ما يكونون قد قضوا سنوات عديدة أو حتى عقودًا معًا، لكنهم يقررون في نهاية المطاف الانفصال في السنوات الأخيرة من حياتهم.
لماذا يتزايد عدد الأزواج الأكبر سنًا الذين يتطلقون؟
بينما ينفصل الأزواج الأصغر سنًا عادة بسبب اختلاف أساليب النشأة والبيئة الاجتماعية، أو صعوبة التعامل مع الأقارب، فإن المطلقين الأكبر سنًا يكونون أكثر عرضة للانفصال بسبب غياب الأبناء عن حياتهم، أو الخيانة الزوجية، أو الخلافات المادية. وبدلًا من النزاع على حضانة الأطفال، يميل الأزواج الأكبر سنًا إلى الجدال حول خطط معاشات التقاعد والشعور بالعزلة والوحدة في علاقتهم.
العوامل التي تساهم في طلاق كبار السن:
عدم وجود الأبناء:
يمكن أن يؤدي خروج الأبناء من المنزل إلى إحداث تغير كبير في العلاقة بين الزوجين، سيما إن لم تكن قوية أبدًا، وكانت تستمد قوتها من دور الأبوة والأمومة ـكحال الكثير من الزيجات للأسفـ وهذا قد يجعل من الصعب إيجاد القرب والمودة بينهما، مما يدفع العديدين لعزل أنفسهم وتجنب الطرف الآخر، أو البحث عن الإشباع العاطفي خارج العلاقة الزوجية. لذا ينصح الأطباء النفسيون عادة بأن يحرص الأزواج على تقوية أواصر المودة بينهم وألا يعتمدوا على وجود الأبناء ليحافظوا على علاقتهم.
التحديات المادية:
يمكن أن تصبح الخلافات حول المال أكثر وضوحًا مع اقتراب الأزواج من سن التقاعد، إذ يصبح إيجاد قواسم مشتركة والحفاظ على السكينة في العلاقة أصعب مع التفكير في ترك العمل. كما يمكن أن تؤثر "الخيانة المالية" ـمثل إخفاء الفواتير أو المشتريات الكبيرة أو الديونـ على استقرار الزواج طويل الأمد. وقد تكون خطط التقاعد مهددة عندما لا تتوافق السلوكيات والأهداف المالية بين الزوجين، مما يجعل إنهاء العلاقة أحيانًا يبدو الحل الوحيد لحل هذه الخلافات.
الخيانة الزوجية:
تعد الخيانة أحد أكثر أسباب الطلاق شيوعًا في أي عمر، بما في ذلك بين الأزواج كبار السن. فالخيانة من التجارب المريرة التي يمر بها بعض الأزواج. سيما بعد قضاء عمر في بناء ذكريات مشتركة، يصبح من الصعب بمكان استعادة الثقة التي كانت تجمع الزوجين؛ فلا العمر يكفي ولا الصدور تغدو رحبة كفاية لتتسامح وتتجاوز.
المشكلات الصحية:
يمكن أن تشكل التحديات الصحية، مثل الإصابة بمرض مزمن خطير، ضغطًا كبيرًا على العلاقة الزوجية. فبعض الأزواج يكتشفون أنهم غير قادرين على التعامل مع المشكلات الصحية التي تظهر مع التقدم في العمر. ومن الجدير بالذكر أن الأبحاث تشير إلى وجود تفاوت بين الجنسين في كيفية تأثير المشكلات الصحية على الأزواج. إذ أظهرت الدراسات أن خطر الطلاق يكون أعلى إذا أصيبت الزوجة بمرض مزمن، بينما لا يواجه الأزواج الذين يصابون بإعاقة أو مرض نفس مستوى الخطر، حيث لا تتخلى الزوجات عن أزواجهن بسهولة وقت المرض أو حتى إصابتهم بحادث مروع وإصابات خطيرة.
فتور العلاقة:
يُعدّ فتور العلاقة أحد أهم أسباب طلاق كبار السن. وبالنسبة لكبار السن، فإن التقدم في العمر يمثل تغيرًا كبيرًا وقد تتغير أولويات واهتمامات واحتياجات الأشخاص مع مرور الوقت. لذا من المهم أن يحرص الأزواج على تجديد العلاقة بينهما وإيجاد جوانب مشتركة حتى يستمر القرب بينهما.
تغيّر التوقعات:
لقد تغيرت توقعات البشر لما يعتبرونه زواجًا حسنًا ومرضيًا بمرور الوقت. ففي الوقت الحاضر، أصبح الأزواج يميلون إلى التركيز أكثر على ما يشعرون به داخل العلاقة، بما في ذلك ما إذا كانت تساهم في إسعادهم وإشباعهم عاطفيًا. وعندما تتغير العلاقة أو تتغير احتياجات أحد الطرفين، يرى أن العلاقة لم تعد تفي بمعاييره، وبالتالي يفكر في الطلاق.
التغييرات الاجتماعية:
ساهمت التغيرات الاجتماعية أيضًا في إحداث الاضطرابات في العلاقات الزوجية. فقد نشأ البالغون الأكبر سنًا على فكرة أن الزواج والإنجاب والشيخوخة معًا هو المسار الطبيعي للحياة. أما اليوم، فيدرك الكثيرون أنه لا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع، خاصة أن النساء أمسين يتمتعن بحرية أكثر واستقلال مادي أكبر مقارنة بالأجيال السابقة.
تقول "كيت إنجلر" مستشارة الأسرة والزواج: "إن الغالبية العظمى من حالات الطلاق تبدأها النساء، بما في ذلك حالات طلاق كبار السن. ففي الخمسين عامًا الماضية، حصلت النساء على استقلال اقتصادي أكبر، وتمكّنّ من بناء مسيرتهن المهنية والمحافظة عليها. وهذا منحهن ثقة أكبر لطلب الطلاق".
ونتيجة لذلك، أصبح الناس أقل استعدادًا للبقاء في زيجات لا تلبي احتياجاتهم، حتى لو كان ذلك يعني إنهاء العلاقة بعد قضاء عمر طويل سويًا. وتشير "إنجلر" أيضًا إلى أن هناك عوامل أخرى مثل ارتفاع متوسط العمر المتوقع، قد لعبت دورًا في ذلك. وتضيف موضحة: "مع ارتفاع متوسط العمر المتوقع للإنسان، ينظر الكثيرون ـ وخاصة النساء ـ إلى ما تبقى من حياتهم ويسألون أنفسهم: لماذا أرغب في قضاء هذه السنوات في زواج تعيس؟!"
وقد وجدت إحدى الدراسات أن الناس صاروا يتقبلون أكثر فكرة الطلاق بين من تجاوزت أعمارهم الخمسين. كما أن انخفاض الوصمة الاجتماعية المرتبطة بفكرة الطلاق دفع الكثيرين لاختيار الانفصال بدل البقاء في علاقة غير سعيدة أو مُرضية.
التأثير العاطفي والنفسي لهذا الطلاق:
يترك الطلاق آثارًا عاطفية عميقة. فهو يمثل تغيرًا كبيرًا في الحياة في أي عمر، لكن يمكن أن تصير التبعات أصعب بكثير عندما يحدث بعد زواج طويل الأمد. حيث عادةً ما تكون مرحلة الكِبَر فترة يشعر فيها الكثيرون بالاستقرار، لكن الطلاق الرمادي يمكن أن يدمر إحساسهم بالأمان، ويقلب حياتهم رأسًا على عقب. ومن الطبيعي أن يشعر الأشخاص بالحزن والفقد عند الطلاق وإنهاء رابطة مشتركة من الأحلام والطموحات التي كانوا يتقاسمونها. وبالنسبة للبعض، فإن الطلاق وفقدان علاقة كانت من أهم العلاقات في حياتهم قد يشبه فقدان شخص عزيز بالموت.
فقدان الهوية:
قد يكون فقدان الهوية أيضًا من عواقب الطلاق. إذ يُجبر الأشخاص على مواجهة تغيّرات في إحساسهم بذواتهم وإيجاد وسائل أخرى لإعادة التعرف على أنفسهم خارج إطار الزواج. ويمكن أن تتزعزع ثقة الشخص بنفسه وتراوده مشاعر النقص أو الرفض لذاته. كما يغدو كبار السن أكثر عرضة للشعور بالوحدة مع تقدمهم في السن بشكل عام، ويمكن أن يزداد هذا الخطر بعد الطلاق. حيث ذكر تقرير أن ثلث الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن الـ45 عامًا، وربع من تزيد أعمارهم عن الـ65 عامًا يُعتبرون معزولين اجتماعيًا.
والوحدة مشكلة أشهدها كثيرًا في سياق عملي خاصة بين الرجال، حيث أنهم كرسوا جل وقتهم وجهدهم وطاقتهم في العمل طوال حياتهم، مما أدى في كثير من الأحيان إلى انهيار صداقاتهم، أو اعتمادهم الكبير على زوجاتهم للحفاظ على حياتهم الاجتماعية. وبالتالي حين يحدث الطلاق، يجدون أنفسهم بلا مهارات تُذكر أو ثقة بالنفس كافية لبناء صداقات وعلاقات وطيدة بمن حولهم.
خطوات عملية للتغلب على تحديات ما بعد الطلاق لكبار السن:
العثور على المساعدة والدعم من قبل العائلة والأصدقاء:
يعد الحصول على دعم الأصدقاء والعائلة أمرًا محوريًا. فالوحدة مشكلة شائعة لدى كبار السن من العزاب، لذا فإن الحفاظ على الروابط الاجتماعية خارج إطار الزواج يمكن أن يساعد في تقليل هذا الخطر.
أعط نفسك فرصة تقبل الأمر:
على الرغم من أن الطلاق صعب في أي عمر، إلا أن إنهاء علاقة طويلة الأمد قد يكون أصعب من الناحية النفسية. امنح نفسك الوقت وأنت تتعامل مع هذه المشاعر المعقدة. فمن الطبيعي أن تشعر بالحزن، والغضب، والمرارة، وأحيانًا بالراحة والرضا.
تنمية علاقات جديدة:
الواقع أن علاقاتك ستتغير غالبًا بعد الطلاق المتأخر. فقد تقضي وقتًا أقل مع علاقاتكم المشتركة، أو حتى تفقد هذه العلاقات تمامًا. لهذا السبب من المهم جدًا البحث عن روابط اجتماعية جديدة أثناء إعادة بناء حياتك كشخص أعزب. قد يشمل ذلك تكوين صداقات جديدة، وتجربة أشياء جديدة، والتعرف على أشخاص جدد. وافعل ما كنت ترغب في فعله أثناء الزواج ولم تتمكن بسبب انشغالك بالأطفال وأمور المعيشة.
الموارد عبر الإنترنت:
قد تجد أنه من المفيد أيضًا الاطلاع على المقالات، والمنتديات، عبر الإنترنت التي تقدم معلومات ونصائح بخصوص الطلاق في سن متقدمة. كما أن قراءة قصص تجارب الآخرين يمكن أن تكون وسيلة نافعة للتعلم من التجارب الحياتية التي مروا بها والاستفادة منها في واقعك الآن دون ارتكاب ذات الأخطاء.
الطلاق يعد من التحديات الصعبة في الحياة، ولكن أحيانًا لا تستوي الحياة إلا به، ويبقى على الإنسان معرفة كيفية التعامل مع هذا التحدي بحيث يمضي في حياته بسلام، ويستثمر ما بقي له من عمر فيما يثري ويصلح معيشته.
كتب ذات صلة بالموضوع
معلومات الموضوع
الوسوم
مراجع ومصادر
- https://www.verywellmind.com/gray-divorce-8646068
