معركة القدس… حيث يختار الله أقوى جنوده

الرئيسية » خواطر تربوية » معركة القدس… حيث يختار الله أقوى جنوده
Palestinian hero- Battle

الله عز وجل مستوٍ على عرشه، يدير الوجود كله بما فيه ومن فيه. والكرة الأرضية، ذلك الجرم الصغير في ذلك الفضاء الهائل، هي جزء من ذلك الوجود، وتدار كما يدار الوجود من قِبَل الله، فلا يتحرك فيها متحرك ولا يسكن فيها ساكن إلا بقدر الله ولمراد الله.

والله عز وجل كتب على الحياة الدنيا في هذه الأرض، أن تكون سنة التدافع بين الناس هي السنة التي تأتي في كبار هذه السنن التي تدير هذه الحياة.

وسنن الله في الكون هي القوانين الكبرى التي وضعها الله تبارك وتعالى ليسير الكون كله في إطارها، وهي قوانين تحكم الحياة على الأرض، فلا يتخلف عنها متخلفٌ ولا يسبقها سابقٌ.

وسنة التدافع كما قلنا، هي من كبار هذه السنن، قال تعالى: (ولولا دفعُ الله الناسَ بعضَهم ببعضٍ لفسدت الأرض) [البقرة: 251].

وإذا كان الله تبارك وتعالى أمر عباده المؤمنين بأن يدافعوا الذين كفروا وظلموا، فإنه سبحانه هو الذي يدفع في الحقيقة، فالذي يجاهد لا يقتل ولا يرمي على الحقيقة، وإنما يرمي الله من ورائه، قال تعالى: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى) [الأنفال: 17].

إذن، المعركة في حقيقتها هي معركة بين الله وبين الذين كفروا وظلموا، والله هو الذي يختار من عباده المؤمنين مجاهدين مخلصين ليكونوا ستارًا لقضائه.

هذه هي القضية في حقيقتها، فما المجاهدون إلا مجرد ستار، يرمي الله من ورائه الذين كفروا وظلموا.

المجاهدون مجرد ستار، يرمي الله من ورائه الذين كفروا وظلموا

وعلى قدر ذلك الستار السببي يكون الفعل الإلهي، فإذا كان ذلك الستار ستارًا رقيقًا ضعيفًا كان فعل الله على قدره، وليس ذلك لضعف الفاعل سبحانه وتعالى، ولكنه لا يعطي إلا على قدر السبب، هكذا جعل الله عز وجل، وتلك سنة كبرى أخرى من سننه التي تدير الحياة.

وإذا كان ذلك الستار السببي ستارًا شديدًا قويًا، كان فعل الله قويًا على قدره.

والله عز وجل حين يُقدّر الأقدارَ ليدفع الفجّار يوزّعُ الأدوار، فيجعل أضعف المعارك في سنة التدافع لأضعف جنده، ويبقي أشد المعارك وأقواها لأشد جنده وأقواهم.

فعلى قدر القضية يكون رجالها؛ يجعل الله لها رجالها على قدرها من البداية، ويصنع الله بها رجالها كذلك، حين يحمي وطيسها ويشتد عريكها، فلا يكون لها إلا الرجال؛ ممن جعلهم الله لها من بدايتها، وممن لحقوا بهم ممن بعثتهم المعركة وصنعتهم من جديد، فكانوا رجالًا كما كان الأولون، والعبرة بمن صدق، ليست العبرة بمن سبق.

ومعركة القدس والمسجد الأقصى هي معركة المعارك، وهي المعركة الأقدس في تاريخ المسلمين حتى اليوم، فقد حمى الله المسجد الحرام والمسجد النبوي، فلم تطلهم يد المحتل الظالم، وليس بعدهما في القداسة مثل المسجد الأقصى.

ولما جعل الله هذه القضية هي الأقدس في تاريخ المسلمين، جعل لها من عباده المؤمنين الأقوى والأخلص. تلك هي الكلمة الصادقة التي قالها أحد قادة المجاهدين هناك مؤخرًا، وقد صدق وهو الصدوق.

النبي صلى الله عليه وسلم شهد بذلك في حديثه الشريف الذي يقول فيه: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا من أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك). قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: (ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) رواه أحمد والطبراني.

وقال صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: (يا شام، أنتِ صفوتي من بلادي، أدخل فيكِ خيرتي من عبادي) رواه أبو داوود والطبراني.

وقال الله من قبل رسوله: (إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) [الإسراء: 1].

وقد رأينا بأعيننا ما يثبت أن الله قد اختار لهذه المعركة أقوى جنوده وأخلصهم.

تقول المرأة التي قُتل زوجها هناك: (يا رب، خذ من أرواحنا حتى ترضى)، ويقول الرجل الذي قُتل ابنه مثبتًا من حوله: (نحن أهل الجهاد والرباط في أرض الجهاد والرباط). ويموت للواحد كل أهله أمام عينيه، فلا يبيع دينه ولا أرضه ولا مقدساته بعرض من الدنيا.

أقدر الناس على تحقيق انتصار هذه الأمة في معركتها الخاصة في القدس وفي معركتها العامة، هم أهل معركة القدس، لأنهم أقوى جنود هذه الأمة وأخلصها

نحن أمام أقوى المعارك في تاريخ البشرية، لأنها المعركة التاريخية الأزلية بين الحق والباطل. وإذا كان الحق والباطل منذ قيام أمة محمد صلى الله عليه وسلم يتعاركون في مواطن كثيرة، فإن معركتهم في أرض القدس والمسجد الأقصى تبقى المعركة الأهم والأكثر رمزية في تاريخهم، فالذي ينتصر فيها هو المنتصر عموما، والذي يخسر فيها هو الخاسر عموما.

وأمة الإسلام اليوم تعيش في ظل هزيمتها التاريخية التي ظللتها من عشرات السنين، ومعركة القدس ستنتهي بانتصارها، فإما أن تنتصر انتصارًا عامًا، ويكون انتصارها في معركة القدس ثمرة لذلك الانتصار العام، وإما أن تنتصر في معركة القدس لتنطلق من ذلك الانتصار إلى انتصارها العام.

وإن أقدر الناس على تحقيق انتصار هذه الأمة في معركتها الخاصة في القدس وفي معركتها العامة، هم أهل معركة القدس، لأنهم أقوى جنود هذه الأمة وأخلصها، فهم لها، وهم لها؛ هم ومن على شاكلتهم، ثم الأمثل فالأمثل.

شاهد أيضاً

سيكولوجية الرويبضة

لا أدري متى بالضبط بدأ هذا القلق يتسلل إلى داخلي. ربما حين رأيت أحد الممثلين …