لكل إنسان أهدافه وطموحاته في الحياة، وإحدى طرق تحقيقها الفعالة هي التزام خطط طويلة الأمد بدلًا من القفزات الكبيرة الفجائية وعدم الوصول للهدف في النهاية. وطريقة كايزن، التي اشتهرت في اليابان من خلال علامات تجارية مثل "تويوتا" Toyota، تركز على التغييرات الصغيرة والمستمرة. وعادة ما تتبعها الشركات الضخمة والعالمية لضمان تحسينات وتطورات مستدامة. كما يعتبر نهج "كايزن" وسيلة فعّالة لبدء العمل على تطوير النفس.
تعريف فلسفة كايزن
كايزن هو فلسفة عمل يابانية تتمحور حول التحسين المستمر. الترجمة للكلمة اليابانية تعني "تغيير" (كاي) و"جيد" (زن). وقد تطورت الطريقة لمساعدة الشركات على تطوير عملياتها من أجل نتائج أفضل. وذلك بدل التغييرات الجذرية، حيث تستخدم منهجية كايزن تغييرات صغيرة لتحقيق نتائج دائمة.
وعلى الرغم من أن كايزن وُلد في عالم الأعمال، إلا أن هذا المفهوم المبني على أسس علمية يمكن استخدامه لتحقيق العديد من التطورات في مجالات مختلفة، مثل التطور الصناعي، والطب، حيث تستخدم بعض المستشفيات أسلوب كايزن لتقليل نوع معين من الإصابات الشائعة للمرض. وتدخل ضمن المجالات كذلك الأهداف الشخصية، واللياقة البدنية، والإدارة المالية الشخصية، وتنمية المهارات بشكل عام.
الركائز الثلاثة لكايزن وأهميتها لتطويرك الشخصي
الركيزة الأولى: التنظيم المنزلي
في أسلوب كايزن، يتجاوز "التنظيم المنزلي" معناه التقليدي المقتصر على النظافة. فهو يتبع المبادئ الخمسة لـ 5S وهي خمس خطوات أساسية لتنظيم بيئة العمل:
1- الفرز (Sort): أي جمع الأشياء ووضعها في مكانها المناسب، والاحتفاظ فحسب بما تحتاجه وتنظيمه جيدًا. مثلًا: اجعل المطبخ مخصصًا لتحضير الطعام والطهي فقط. وابحث عن مكان آخر للأدوات والقرطاسية والأشياء الصغيرة التي غالبًا ما تنتهي في أدراج المطبخ.
2- الترتيب (Set in order): فترتيب الأدوات يجعل الوصول إليها أسهل. ومن أمثلة ذلك في حياتنا اليومية:
- المخزن المنظم يضع المكونات الأكثر استخدامًا في متناول اليد.
- بعض المتاجر تحرص على وضع المواد الأكثر مبيعًا وطلبًا في الأرفف الجانبية المنخفضة حتى يسهل الوصول إليها.
3- التنظيف (Shine): تنظيف مساحة العمل بين الحين والآخر أو تجهيزها للاستخدام التالي.
4- التثبيت (Standardize): جهز أفضل الطرق وقوالب الإنجاز، ثم نفّذ المهمة بالطريقة نفسها كل مرة، وفي نفس البيئة وباستخدام الأدوات ذاتها.
5- المداومة (Sustain): حافظ على هدفك من خلال الاستمرار في تطبيق العناصر الأربعة الأخرى. واجعل الممارسة عادة يومية وابنِ على التحسينات مع مرور الوقت.
الركيزة الثانية: التخلص من كل ما هو غير مهم
وهذه الخطوة تساعد على التخلص أو التقليل من الأعمال أو الأنشطة غير الضرورية. وهو لا يقتصر على الموارد المادية فقط، فعليك مثلًا التخلص من العادات المضيّعة للوقت، والمهام غير المفيدة، والخطوات غير الضرورية.
مثلًا: التبرع بالأدوات القديمة أو التخلص من الأجهزة غير المستخدمة يوفر مساحة لاحتياجاتك اليومية. على سبيل المثال: ضع خطة وجبات وقائمة تسوق محددة، وتسوّق للأسبوع، ونظّم المشتريات والأطعمة على مدار أيام الأسبوع. فهذا يقلل من وقت التسوق، وتحضير الطعام، وهدر الفائض عن الحاجة منه.
الركيزة الثالثة: تحديد أصل المشكلة
يعني تحديد مستوى الأداء المقبول لتحقيق هدفك. وبناءً عليه يتم تحديد الحد الأدنى من الأداء، والوقت المتوقع لإنجاز المهام، وكيفية قياس التطور على مدار الزمن.
فإذا كنت تقضي وقتًا أطول مما ترغب في إعداد الطعام كل أسبوع، فليكن هدفك تقليل وقت الطهي. وللقيام بذلك سيتوجب عليك الالتزام بعدة معايير، وهي:
- أن تكون خطة وجباتك وتسوقك جاهزة مسبقًا.
- تنظيم أدوات التحضير والطهي لزيادة كفاءة العمل وسرعته، مثل وجود الأدوات في متناول اليد وتحضير جميع المكونات المطلوبة مسبقًا.
- تحديد توقعاتك لكل وجبة (وقت التحضير، والقيمة الغذائية، ونوع الطعام).
5 خطوات فعالة لتطبيق كايزن خارج نطاق العمل لتحقيق أهدافك
يساعد مبدأ كايزن على الوصول إلى الهدف النهائي من خلال بذل المجهود على المدى الطويل. ويتضمن هذا المبدأ خمس خطوات أساسية:
أولًا: تحديد هدفك
أولًا عليك تحديد ما تريد تحقيقه، فأهم قسم يتعلق بالتطور التدريجي هو فهم هدفك. فحدد ما تريده واذكر السبب، وعليه ستتمكن من تحديد الوقت والجهد المطلوبين لتحقيقه.
مثال: إذا كنت حاليًا لا تقرأ على الإطلاق، يمكنك بناء عادة قراءة ساعة يوميًا بإضافة دقيقة واحدة يوميًا. خلال شهرين، ستكون قد حققت هدفك وأسست روتينًا يوميًا.
ثانيًا: التعامل مع الأمور التي تضيع الوقت أو تهدر الطاقة
غالبًا ما تتطلب الأهداف الشخصية تغيير طريقة إدارتك لوقتك. فاحرص على التقليل من الأوقات التي تقضيها في أنشطة لا تعود عليك بالنفع سواء ماديًا أو معنويًا، مثل تضييع الوقت في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي دون هدف. واستثمر هذا الوقت فيما تؤجّله دائمًا بحجة "لا يوجد وقت".
ثالثًا: حدد معايير النجاح بالنسبة لك
فكّر في المقاييس التي تستخدمها لقياس النجاح.
مثال: فيما يتعلق بالقراءة، هل تحتسب قراءة الصحف والمجلات؟ أم يجب أن تحقق تقدمًا في قراءة الروايات أو كتب تطوير الذات؟ وهل الاستماع للكتب الصوتية يعد قراءةً بالنسبة لك أم لا بد من القراءة الورقية؟
رابعًا: ابدأ بإجراء تغييرات صغيرة جدًا
بعد تحديد هدفك والأدوات والوقت والطاقة التي خصصتها، يحين أوان التنفيذ. ابدأ بالعمل على هدفك مع زيادة تدريجية وفق جدول محدد. وركّز على الخطوة التالية بدلًا من الهدف النهائي. وإذا فات يوم دون تقدم، لا تفقد الدافع، بل استمر من حيث توقفت.
خامسًا: تحديد ما يصلح أو لا يصلح لك
إن المرونة تساعدك على تحقيق أهدافك بضغط أقل. فإذا وجدت أن هدفك غير عملي مع جدولك الحالي، عدّل توقعاتك. واعلم أن أي تقدم يُعتبر مهمًا، حتى لو كان صغيرًا.
أمثلة واقعية على تطبيق مفهوم كايزن
اللياقة البدنية
لنفترض أنك حاليًا تمشي 5,000 خطوة يوميًا. إذا كان هدفك هو المشي 10,000 خطوة يوميًا، فقد تبدأ بالمشي لمسافة طويلة لمضاعفة خطواتك. لكن خطتك قد تفشل إذا لم تكن معتادًا على هذا المستوى.
وباستخدام كايزن، يمكنك زيادة عدد خطواتك تدريجيًا:
إذا أضفت 1% في اليوم الأول (50 خطوة إضافية).
بعد أسبوعين من الزيادة اليومية بنسبة 1%، ستضيف حوالي 600 خطوة.
خلال 10 أسابيع، ستصل إلى 10,000 خطوة يوميًا.
القراءة
الكثيرون يجدون صعوبة في إدخال القراءة ضمن جدولهم اليومي. باستخدام كايزن، يمكنك زيادة وقت القراءة تدريجيًا بإضافة دقيقة أو أكثر يوميًا. ولست مضطرًا لجعل القراءة في جلسة واحدة، بل يمكنك تقسيمها.
مثال: ابدأ بخمس دقائق يوميًا، وأضف دقيقة كل يوم. ومع الوقت تصبح عادة راسخة.
الخاتمة
إن مفهوم كايزن يساعد على تحقيق أهداف التطور الذاتي والتقدّم من خلال خطوات صغيرة. وبساطة قاعدة كايزن وسهولة تطبيقها تجعلها محرّكًا شائعًا للتغيير، حيث تساعد التعديلات الصغيرة على ترسيخ عاداتك الجديدة عبر دمجها التدريجي، ودون القيام بتعديلات جذرية وضخمة في جدولك الحالي وعاداتك اليومية.
معلومات الموضوع
الوسوم
مراجع ومصادر
- https://www.betterup.com/blog/kaizen
