في ذكرى وفاته.. رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي تحدى الموساد!

الرئيسية » بصائر من واقعنا » في ذكرى وفاته.. رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي تحدى الموساد!
Hanthala

"إنّ من يريد أن يعرف هذا الصباح رأي العرب في السياسة الأميركية، فما عليه إلا أن يطالع ما رسمه ناجي العلي".
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

"اللي بدو يكتب لفلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حاله: ميت".

هذه واحدة من أبرز مقولات رسام الكاريكاتير الفلسطيني "ناجي العلي" رحمه الله، والتي كان لها بالغ الأثر في شحذ الهمم، وجسارة مواجهة المحتل وأذنابه، وبث الأمل.

تميز "ناجي العلي" رحمه الله بذهن واعٍ، وخيال خصب، وفراسة لا تخطئ.

كان "ناجي العلي" يعرف مكمن الداء عند المحتل وأذنابه فيصوّب ريشته في المكان الذي يجعل المحتل وأذنابه تطيش عقولهم ويفقدوا صوابهم، تمامًا مثلما يفعل القنّاص المتمرّس الذي لا يخطئ فريسته، ومثلما يهوي النطاسي البارع بمبضعه على موضع الداء فيجتثّه من جذوره، وهذا ما جعل صحيفة (آساهي شيمبون) اليابانية تقول: (ناجي العلي يرسم بحامض الكبريتيك). كما علّق أحد رسامي التايم بقوله: (إن ناجي العلي يرسم بريشة من العظم البشري المبري).

كان "ناجي العلي" بما لديه من موهبة يؤلم المحتل وأذنابه، ويعري سوأتهم، ويفضح ممارساتهم، مما جعله هدفًا لجهات مختلفة مثل الموساد الإسرائيلي، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومخابرات بعض الدول.

يُقال إن الفضل في تسمية ثورة الشعب الفلسطيني لمقاومة المحتل بـ(الانتفاضة) يرجع لـ"ناجي العلي"، بالرغم من أنه توفي قبل اندلاع الانتفاضة بشهور، إلا أنه قبل وفاته بسنوات كان قد رسم لوحة في يسارها قمر مضيء كتب عليه (انتفاضة الضفة الغربية)، وفي لوحة ثانية رسم (لا) على الأرض بشكل ضخم من الحجارة، وتجمّع الأطفال حول هذه الـ(لا) وراحوا يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة، تبعتها بعد ذلك لوحات عدة حول الفكرة نفسها.

أولًا: المولد والنشأة

ولد رسام الكاريكاتير الفلسطيني "ناجي سليم حسين العلي" عام 1937م في (قرية الشجرة) الواقعة بين طبريا والناصرة بفلسطين.

بعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين هاجر "ناجي العلي" مع أسرته عام 1948م إلى جنوب لبنان، وعاش في (مخيم عين الحلوة)، ومنذ ذلك الحين لم يعرف الاستقرار أبدًا.

قامت قوات الاحتلال باعتقال "ناجي العلي" وهو صبي وذلك لنشاطاته المعادية للاحتلال. فكان "ناجي العلي" يقضي معظم وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها. وكذلك قام الجيش اللبناني باعتقاله عدة مرات، مما اضطره للسفر إلى لبنان حيث أتم تعليمه وحصل على شهادة ميكانيكا السيارات.

تزوج "ناجي العلي" من (وداد صالح) من بلدة صفورية الفلسطينية، وأنجب منها أربعة أبناء.

في عام 1959م عاد "ناجي العلي" إلى لبنان، وهناك انضم إلى (حركة القوميين العرب)، ولكن سرعان ما تم فصله من الحزب حيث كانت له شخصيته المستقلة، وهذا ما جعل قادة الحزب يقررون فصله لعدم التزامه الحزبي، حسب زعمهم.

في عام 1960م التحق "ناجي العلي" بالأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، لكنه لم يتمكن من مواصلة دراسته بها بسبب اعتقاله، وبعد إطلاق سراحه انتقل إلى (مدينة صور) وعمل مدرسًا للرسم في الكلية الجعفرية.

وفي عام 1961م نشر "ناجي العلي" هو وبعض رفاقه مجلة سياسية مكتوبة بخط اليد سُمِّيت (الصرخة).

وفي عام 1963م سافر "ناجي العلي" إلى الكويت ليعمل محررًا ورسامًا ومخرجًا صحفيًا في عدة مؤسسات صحفية هناك.

في عام 1979م انتخب "ناجي العلي" أمينًا عامًا لرابطة الكاريكاتيريين العرب، كما انتخب عضوًا في الأمانة العامة لـ"اتحاد الكُتّاب والصحفيين الفلسطينيين".

عاد "ناجي العلي" إلى الكويت للعمل في (جريدة القبس)، وظل بها مدة عامين قبل أن يُرحَّل إلى بريطانيا عام 1985م، ويعمل في (جريدة القبس الدولية) حتى تم اغتياله هناك عام 1987م.

ثانيًا: أبرز رسومات ناجي العلي

عندما قام الصحفي والأديب الفلسطيني (غسان كنفاني) بزيارة (مخيم عين الحلوة) عام 1961م شاهد ثلاثة أعمال من رسوم "ناجي العلي"، فقام بنشر أولى لوحاته في مجلة (الحرية).

ومن أبرز الرسومات التي ارتبطت باسم "ناجي العلي" رسم (حنظلة).

وفي حوار صاغه "ناجي العلي" قام حنظلة بتعريف نفسه قائلًا:
"اسمح لي أن أقدم لك نفسي.. أنا أعوذ بالله من كلمة أنا.. اسمي حنظلة. اسم أبي مش ضروري. أمي اسمها نكبة. نمرة رجلي ما بعرف لأني دائمًا حافي. وُلدت في 5 حزيران 1967م... معيش هوية ولا ناوي أتجنس. محسوبك عربي وبس".

يقول "ناجي العلي" عن (حنظلة):
"ولد حنظلة في العاشرة من عمره وسيظل دائمًا في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما أن فقدان الوطن استثناء".

كان (حنظلة) شاهد عيان على الأحداث التي تمر بها فلسطين، وهذا ما جعل "ناجي العلي" يستخدم رسم (حنظلة) ليكون توقيعًا على أعماله.

في عام 1973م أدار (حنظلة) ظهره وعقد يديه خلف ظهره، وعندما سُئل "ناجي العلي" عن سبب ذلك قال:
"كتفته بعد حرب أكتوبر 1973م لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبّعًا".

وعندما سُئل "ناجي العلي" عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب:
"عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".

حقيقة لم يظفر أحد من أبناء "ناجي العلي" الذين هم من صلبه؛ بشهرة مثل شهرة "حنظلة"، الشخصية الكاريكاتيرية التي رسمها والدهم، وظلت بوصلة قضيته ومصدر إلهامه طوال حياته، وبوصلة الأحرار ومصدر إلهامهم إلى يومنا هذا، لذلك لقّب البعض شخصية حنظلة بـ(أبو الهول الفلسطيني).

ومن أبرز ما رسم "ناجي العلي" أيضًا، شخصية (فاطمة)، وهي ترمز للمرأة الفلسطينية التي تعي أبعاد قضيتها ولا تهادن ولا تساوم عليها.

وفي رسوماته كان "ناجي العلي" يصوّر من يسمونهم القادة والزعماء العرب على أنهم شخصيات سمينة وعارية المؤخرة.

وفي رسوماته أيضًا قام "ناجي العلي" بتصوير الجندي الإسرائيلي على أنه طويل الأنف، مرتبكًا أمام حجارة الأطفال، وخبيثًا شريرًا أمام القيادات العربية المنبطحة.

ثالثًا: الجوائز والتكريمات التي حصل عليها ناجي العلي

إن مشوار النضال الذي اختاره لنفسه "ناجي العلي" أهّله للحصول على العديد من الجوائز من بينها:

حصل على (جائزة القلم الذهبي لحرية الصحافة) من الرابطة العالمية للصحافة عام 1978م.

كما حصل على الجائزة الأولى في معرضي الكاريكاتير للفنانين العرب في دمشق عامي 1979 و1980م.

وفي عام 1988م قامت "الجمعية العالمية للصحف ولناشري وسائل الإعلام" في باريس بمنح "ناجي العلي" جائزة "قلم الحرية الذهبي"، واعتبرته واحدًا من أهم رسامي الكاريكاتير في العالم.

وقامت صحيفة "آساهي شيمبون" اليابانية باختيار "ناجي العلي"، كواحد من بين أشهر عشرة رسامي الكاريكاتير في العالم.

وتخليدًا لذكرى "ناجي العلي" بعد وفاته، أقيم مركز ثقافي في بيروت يحمل اسم "مركز ناجي العلي الثقافي".

رابعًا: مؤلفات الفنان ناجي العلي

بخصوص مؤلفات الفنان "ناجي العلي" فقد أصدر ثلاثة كتب في حياته ضمّت مختارات من رسومه، وبعد رحيله قام ابنه (خالد) بجمع أعماله في عدة كتب حوت أربعين ألفًا من الرسوم الكاريكاتيرية التي تكرّس للنضال، والتمرد على الظلم، ومناهضة المحتل وأذنابه. وتمت ترجمة هذه الكتب إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى.

ولقد ضمّت المكتبة العربية عشرات الكتب كتبها آخرون عن مشوار حياة "ناجي العلي" وبراعته الفنية التي سخّرها لمقاومة المحتل وأذنابه.

خامسًا: اغتيال ناجي العلي

ذكرنا آنفًا أن "ناجي العلي" كان هدفًا لجهات مختلفة مثل الموساد الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية ومخابرات بعض الدول العربية، وهذا ما جعل الغموض يشوب عملية اغتياله، إلا أن معظم أصابع الاتهام أشارت نحو (الموساد) الذي شرع في تصفيته في لندن يوم 22 يوليو 1987م.

أُصيب "ناجي العلي" بعدة رصاصات إحداها في عنقه وأخرى أسفل عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 أغسطس 1987م، وبعد تحقيقات هزلية تم تقييد الجريمة ضد مجهول.

وما عزّز تورط الموساد في اغتيال "ناجي العلي" هو أن بعض المصادر قد أشارت أنه عقب فشل محاولة الموساد في اغتيال (خالد مشعل) قامت (صحيفة يديعوت أحرونوت) بنشر قائمة بعمليات اغتيال ناجحة ارتكبها الموساد، وتم ذكر اسم "ناجي العلي" ضمن القائمة.

كان "ناجي العلي" قد أوصى أن يُدفن في (مخيم عين الحلوة) بجانب والده، ولكن لم يتحقق له ذلك لصعوبة تنفيذه، فتم دفنه في لندن، وكان في مقدمة مشيعيه الشاعر أحمد مطر.

وتعليقًا على اغتيال "ناجي العلي" كتب (فيصل دراج):
"أليس من العبث أن نسأل عن جنسية من أطلق النار على ناجي العلي؟ لكأنّ مطلق الرصاصة، عربيًا كان أم صهيونيًا، قد حقق في رصاصته رغبات مجموع من البشر، يعرف بعضهم البعض، فيصفق له من أعطاه المسدس، ويصفق له من أراد أن يعطيه المسدس منذ زمن من دون أن يعثر عليه".

سادسًا: بعض الأعمال عن ناجي العلي

1- في عام 1976م ظهر كتاب بعنوان (كاريكاتور ناجي العلي).
https://archive.org/details/najee-ali/page/n241/mode/1up

2- في عام 1989م ظهرت في إيطاليا فرقة موسيقية قامت باختيار اسم "حنظلة" ليكون اسمًا لها.

3- وفي عام 1991م قام الفنان المصري (نور الشريف) ببطولة فيلم باسم "ناجي العلي"، أثار الفيلم ضجة في وقتها وطالب بعض المحسوبين على النظام المصري بمنع الفيلم من العرض بسبب الانتقادات التي ظهرت في الفيلم في حق النظام المصري.

4- وفي عام 1999م كتب (شاكر النابلسي) سيرة "ناجي العلي" الفنية بعنوان (أكله الذئب!!).

5- وفي عام 2007م قامت المخرجة الأردنية (هناء الرملي) بإخراج فيلم وثائقي قصير عن حنظلة ناجي العلي باسم "الأيقونة".

6- وفي عام 2013م قامت قناة الجزيرة بإصدار فيلم وثائقي من جزأين بعنوان (الجريمة السياسية- لا لكتم الصوت) تسرد فيه مشوار حياة "ناجي العلي".

الجزء الأول
https://www.ajnet.me/video/2013/4/3/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D9%84%D9%83%D8%AA%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84

الجزء الثاني

7- وفي أعقاب الاعتداء الإسرائيلي على غزة عام 2021م، عادت شخصية "حنظلة" للظهور في مباراة كرة قدم مصرية، إذ احتفل اللاعب (أحمد حمدي عبد القادر) بإحرازه هدفين بتقليد وضعية (حنظلة) الشهيرة التي رسمها "ناجي العلي" قبل ميلاد اللاعب نفسه.

أخيرًا أقول

كُثر هم من رسموا الكاريكاتير حول العالم، ولكن هناك قلة قليلة منهم نجحت في نقش بصماتها على صفحات التاريخ، لتظل هذه البصمات من أبرز المعالم في طريق الأحرار، تنير دربهم وتشد من عزمهم، ولقد كان "ناجي العلي" من أبرز هؤلاء لقصر حياته، حيث توفي في الخمسين من عمره!! وإذا كان "ناجي العلي" قد مات فإن "حنظلة" ما زال حيًا في ضمير الشرفاء!!

خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

القدس في فكر حماس: قراءة في مركز الوعي ومعادلات القوة

يصعب الولوج إلى تجربة حماس من دون المرور بالقدس؛ فالعلاقة بينهما ليست علاقة شعار بحركة، …