مبدأ باريتو: قاعدة 80/20 التي تغيّر التفكير الإداري

الرئيسية » بصائر من واقعنا » مبدأ باريتو: قاعدة 80/20 التي تغيّر التفكير الإداري
80-20

ما هو مبدأ باريتو؟

مبدأ باريتو أو قاعدة 80/20 ينص على أن 80% من النتائج هي نتاج 20% من الأسباب. على سبيل المثال: 80% من المبيعات تأتي من 20% من العملاء، 80% من الأرباح تأتي من 20% من المنتجات، أو 80% من إنتاجية الموظفين تأتي من 20% من العاملين.

صاغ هذا المبدأ المستشار الإداري الروماني-الأمريكي جوزيف م. جوران، الذي استند في أبحاثه إلى عالم الاقتصاد الإيطالي فيلفريدو باريتو. فعلى سبيل المثال، يتطلب توظيف الموظفين الجدد وتدريبهم ودمجهم جهدًا كبيرًا. إذا تمكنت الشركة من تحديد الأقلية من الموظفين الذين يحققون أعلى إنتاجية، يمكنها تجنّب خسارتهم لصالح المنافسين عبر تقديم المكافآت والترقيات الداخلية. كما يمكنها محاولة فهم أسباب نجاح هؤلاء الموظفين المتميزين وتطبيق تلك الدروس في إعادة تدريب القوة العاملة الحالية أو في عملية اختيار الموظفين الجدد مستقبلًا.

كيف يعمل مبدأ باريتو؟

أولًا، يجب أن نتخلى عن فكرة أن نسبة 80/20 تُعرّف مبدأ باريتو بشكل صارم. فالمواقف التي تندرج تحت هذه القاعدة قد تكون 70/30 أو 60/40 أو حتى 90/10. ليست النسبة الدقيقة بين الأسباب والنتائج هي ما يهم، بل الحقيقة أن الأقلية من الأسباب تُنتج الأغلبية من النتائج. لذلك، بدلًا من البحث عن انقسام صارم 80/20، فإن مراقبة أي توزيع غير متوازن يمكن أن يكشف عن تأثيرات باريتو داخل الموظفين أو العملاء أو العمليات التجارية.

ثانيًا، قد تكون هناك مواقف لا تُجمع فيها الأرقام بدقة إلى 100. على سبيل المثال، تخيل شركة لديها 15 مكتبًا، ولكن فقط 5 مكاتب تعمل بأكثر من 75% من طاقتها؛ بينما 10 مكاتب شبه فارغة لأن معظم الموظفين المخصصين لها ما زالوا يعملون من المنزل. بالتالي، فإن ما يقارب 100% من تكاليف صيانة المساحات المكتبية يذهب لخدمة 30% فقط من المواقع.

في جوهره، مبدأ باريتو هو درس عن كيفية عمل التوزيع في الأنظمة المعقدة. فمعظم المدخلات لا تُساهم بشكل متساوٍ في المخرجات — ليس كل موظف في الفريق يبذل نفس الجهد باستمرار، وليس كل عميل يقدم نفس القدر من القيمة.

مزايا إضافة مبدأ باريتو في سياق الأعمال

مضاعفة النجاح:
يخبرنا مبدأ باريتو أن على الشركات أن تفعل المزيد مما ينجح بالفعل. على سبيل المثال، إذا كان لدى الشركة مجموعة منتجات، وكان 20% من هذه المنتجات يولّد 80% من الإيرادات، أو إذا كان 20% من موظفي المبيعات يحققون 80% من العملاء الجدد، فهنا ينبغي تركيز الاهتمام والجهود.

تحسين جودة المنتج:
كان المستشار الإداري جوزيف جوران أول من طبّق مبدأ باريتو في سياق الأعمال. وبصفته خبيرًا في مراقبة الجودة، اكتشف أن 80% من عيوب المنتجات النهائية تعود إلى 20% من عمليات خط التجميع. ومن خلال تعديل هذه العمليات، تمكنت الشركة من رفع الجودة العامة لمنتجاتها.

تحسين تخصيص الموارد:
تمتلك الشركات قدرًا محدودًا من الوقت والمال، وغالبًا ما يكون الميل الطبيعي هو توزيع الموارد بالتساوي على جميع العملاء والمنتجات والعمليات. يُعد مبدأ باريتو طريقة عملية لفهم سبب خطأ هذا النهج. وعلى العكس، يجب على الشركات تحديد العوامل ذات الأداء الضعيف ــــ أو ما سماه جوران "الكثرة التافهة" (Trivial Many) ــــ والعمل على تحسينها أو التخلص منها.

سلبيات مبدأ باريتو

الارتباطات الزائفة:
إحدى المشكلات المحتملة مع مبدأ باريتو ـــ أو على الأقل في تبني الشركات له ـــ هي إمكانية تطبيقه بشكل خاطئ أو أن يقود متخذي القرار إلى تجاهل عوامل مؤثرة أخرى. على سبيل المثال: قد يرفع مورد أسعار المواد الخام بشكل كبير، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج وجعل مادة واحدة تمثل نسبة غير متناسبة من تكلفة المنتج. ومع ذلك، قد يبيع الموردون الآخرون بنفس السعر أو أكثر تكلفة، أو قد تكون الزيادة مؤقتة.

نصائح مهمة أثناء تطبيق مبدأ "باريتو"

لا تتسرع في التخلص من "الكثرة التافهة":
إذا اكتشفت شركة أن 80% من منتجاتها تولّد فقط 20% من الأرباح، فقد يكون رد الفعل الفوري هو التخلص من جزء من تلك المنتجات ذات الأداء الضعيف. وهذا غالبًا قرار سيئ. في أفضل الأحوال، تكون الشركة قد تخلت عن 20% من أرباحها دون خطة واضحة لتعويضها. وفي أسوأ الأحوال قد تكون بعض تلك المنتجات ضمن الـ80% بمثابة منتجات جذب، أي أنها تجذب العملاء الذين يشترون لاحقًا الـ20% من السلع الأكثر ربحية.

لا تفرض المبدأ بالقوة:
فمبدأ باريتو عبارة عن ملاحظة وليس قانونًا. مثلًا، قد تكتشف الشركة وجود اختلاف واضح في إنتاجية الموظفين بين مواقع بيع مختلفة وتفكر في خيارات.

متجر (أ) يبيع ما قيمته 300 دولار من البضائع لكل موظف يوميًا.

متجر (ب) يبيع بالكاد 100 دولار.

وهنا قد يغدو الانطباع الأول هو استبدال الموظفين. لكن ماذا لو لم تكن المشكلة في الموظفين أصلًا، بل في مدير سيئ، أو حالات سرقة، أو أن سكان حي المتجر (ب) تغيّر ولم يعد الزبائن يرغبون في منتجاتك؟ أو هل قيمة اتخاذ الإجراء عالية بينما مخاطر القيام به ـــ حتى لو كانت الفرضية خاطئة ـــ منخفضة؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون من المنطقي المضي قدمًا فقط لرؤية النتائج. لكن إذا لم تكن هناك قناعة بأن النتائج مرتبطة حقًا بالموارد والمواد المدخلة وكان الإجراء ينطوي على مخاطر كبيرة محتملة، فمن الأفضل إجراء المزيد من الأبحاث والتحليلات.

ضع في الاعتبار حجم العينة:
فكم عدد العملاء أو المنتجات أو العمليات التي ستأخذها الشركة بعين الاعتبار عند البحث عن الارتباطات؟ مثلًا، إذا اكتشفت الشركة أن 40% من المنتجات تحقق 60% من الأرباح، فقد يكون هذا بالفعل مثالًا على مبدأ باريتو. ولكن إذا كانت الشركة تُنتج فقط عشرة منتجات، فإن الأدلة على وجود ارتباط تكون أضعف بكثير.

انتبه للقيم الشاذة (Outliers):
فمثلًا: إذا اكتشفت شركة أن عميلًا واحدًا فقط ـــ وليس 1% من عملائها بل واحد فحسب ـــ مسؤول عن 20% من إيراداتها، فهذا لا يُعتبر مثالًا على مبدأ باريتو، رغم أن سببًا صغيرًا أدى إلى أثر كبير. بل يُعد هذا قيمة شاذة (Outlier)، أي حالة استثنائية أعلى بكثير من المتوسط. ورغم أن دراسة هذه الحالة مهمة، إلا أنها قد لا تكون سيناريو يمكن للشركة تكراره لصالحها.

أمثلة واقعية على مبدأ باريتو

مثال المصنع:
تخيل مصنعًا يُعاني من تكاليف صيانة مرتفعة. بعد التحليل، يكتشف المشرف أن 10% فقط من المعدات مسؤولة عن 90% من الأعطال غير المخطط لها. لكن هذه الآلات متخصصة للغاية ولا يمكن استبدالها بسهولة. ومع ذلك، يمكن للشركة زيادة الإنتاجية عبر اعتماد جدول صيانة وقائية، وهو أقل تكلفة بكثير من إصلاح الأعطال بعد حدوثها.

مثال إدارة سلسلة التوريد:
فكّر في مدير سلسلة التوريد لشركة أدوية حيث تُعد مراقبة الجودة بالغة الأهمية، وذلك بهدف تقليل سحب الأدوية من السوق (Drug Recalls). فيقوم المدير بتحليل باريتو للموردين ويجد أن 60% من مشكلات عدم المطابقة تأتي من 10% من الموردين. هؤلاء الموردون لا يمكن استبدالهم فورًا، وإنما يتوجب إخضاع موادهم إلى برنامج فحص شامل، بحيث تصير النتيجة هي تقليل عمليات السحب وتقليل السمعة السيئة للشركة.

وأخيرًا، هل يعتبر مبدأ باريتو صحيحًا؟

الإجابة هي نعم، فغالبًا ما يُلاحظ مبدأ باريتو في الحياة الواقعية، لكنه ليس قانونًا رياضيًا. فعلى الرغم من أن 80% من النتائج تنتج غالبًا عن 20% من الأسباب، إلا أن هذه النسبة ليست دقيقة تمامًا. فهناك أوقات، على سبيل المثال، قد تنتج فيها 100% من النتائج عن 20% من المدخلات. وهذا يوسع نطاق الفرص لاكتشاف أمثلة لمبدأ باريتو في حياتك اليومية.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • https://www.netsuite.com/portal/resource/articles/erp/pareto-principle.shtml
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومترجمة من مصر، مهتمة بقضايا التعليم والأسرة والتطوير الذاتي

شاهد أيضاً

القدس في فكر حماس: قراءة في مركز الوعي ومعادلات القوة

يصعب الولوج إلى تجربة حماس من دون المرور بالقدس؛ فالعلاقة بينهما ليست علاقة شعار بحركة، …