من السيرة النبوية إلى غزة.. دروس في الحب والثبات

الرئيسية » بصائر تربوية » من السيرة النبوية إلى غزة.. دروس في الحب والثبات
prophet-mosque-2

ليس من السهل أن تحكي لطفل عن إنسان لم يره، أو عن زمن بعيد بكل تفاصيله، لكن الأمر يصبح أكثر بساطة حين نمتلك الأسلوب المناسب لتقديم السيرة النبوية للأطفال. فحين نغذي عقولهم الصغيرة بالمعلومات الصحيحة، فإنها تُغرس في وجدانهم وتزيدهم حبًا لله عز وجل ولنبيه الكريم ﷺ.

ويُعد يوم المولد النبوي فرصة ثمينة للبدء بتعريف الأطفال بالنبي ﷺ، منذ مولده ونَسَبه، وكيف عاش يتيمًا، ومرحلة رضاعته في البادية، ثم عودته إلى مكة وفقده المتكرر لأعزّ الناس، وصولًا إلى لقبه قبل البعثة بـ"الصادق الأمين". ومن المهم أن لا يقتصر الحديث عن السيرة على هذا اليوم فقط، بل أن يظل حاضرًا في تفاصيل حياتهم اليومية.

إن ذكرى المولد النبوي مناسبة عظيمة تتيح للوالدين والمعلمين أن يرووا للأبناء أحداثًا من السيرة العطرة، ويربطوا ذلك بآيات من القرآن الكريم مثل سورة الضحى التي تذكر كيف أن الله آوى نبيه في يتمه وأغناه بعد عيلته. كما يمكن استثمار هذا اليوم بإقامة مسابقات منزلية أو مدرسية حول محطات حياته ﷺ، إلى جانب استخدام الأناشيد والرسوم والقصائد التي يحبها الأطفال، مما يرسخ محبته في قلوبهم.

حين نغذي عقول الأطفال بالمعلومات الصحيحة، فإنها تُغرس في وجدانهم وتزيدهم حبًا لله عز وجل ولنبيه الكريم ﷺ

إن أفضل وسيلة لغرس محبة النبي في نفوس الأبناء هي تعريفهم بأخلاقه وسلوكه، وخاصة معاملته للصغار، على أن تُترجم هذه الأخلاق في تعامل الوالدين أنفسهم مع أبنائهم بالرفق واللين. ويجب أن يُربط حب النبي بحب الله تعالى، وتعريف الأطفال بأن محمدًا ﷺ كان هدية من الله للعالمين، جاء بعد عصور من الظلم والظلام.

ومن الجميل التركيز على الجوانب الاجتماعية والعاطفية في السيرة، مثل علاقته بأبنائه وأحفاده وأطفال الصحابة، مع قراءة قصص شبان الصحابة الذين عايشوه. غير أن الأثر الأكبر يتحقق حين يلمس الطفل السيرة حيّة في سلوك أسرته ومعاملاتهم اليومية. ويمكن دعم ذلك بمقاطع مرئية تحكي السيرة بأسلوب مشوق، مع جلسات نقاش قصيرة بعدها لترسيخ المفاهيم.

أما جعل هذا اليوم مميزًا، فيكون عبر التخطيط له مسبقًا داخل الأسرة، مثل الاستيقاظ مبكرًا وأداء صلاة الفجر مع الأطفال، وترديد الصلاة على النبي ﷺ في الطريق، وتحضير أناشيد يشارك الجميع في ترديدها. ويمكن كذلك تعريف الأبناء بالأطعمة التي كان يحبها النبي ﷺ، وإعداد فطور مميز يتضمنها في أجواء روحانية. وفي المدارس، يمكن تنظيم عروض قصصية أو مسرح دمى تحكي أحداث مولده بطريقة مشوقة، أو استخدام الألوان التي كان يحبها في تزيين الحلوى، خاصة اللون الأخضر.

الأثر الأكبر يتحقق حين يلمس الطفل السيرة حيّة في سلوك أسرته ومعاملاتهم اليومية

ومن الأفكار النافعة تخصيص نشاط للتعريف بمقتنيات النبي ﷺ مثل رايته وسيوفه، مع إحياء بعض السنن المهجورة وشرحها للأطفال، أو إقامة مشاريع عملية كصندوق صدقات يُصمم على شكل المسجد النبوي. كما يُستحسن إشراك الأبناء في جلسات عصف ذهني لإبداع أفكار جديدة للاحتفاء بالمناسبة، مما يجعلهم شركاء حقيقيين في التعلم والتطبيق، ويغرس فيهم الإيجابية وروح المبادرة.

وكما كان النبي ﷺ قدوة في التكافل والاهتمام بالمستضعفين، فإننا اليوم نحتاج أن نربط أبناءنا بما يجري في غزة، فنشرح لهم أن حب النبي لا ينفصل عن نصرة المظلومين، وأن من أهم معاني السيرة الوقوف إلى جانب إخواننا في محنتهم بالقول والفعل والدعاء، فالإسلام دين رحمة وتكافل، وأبناء هذه الأمة جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

حب النبي ﷺ يعني التمسك بالقيم التي جاء بها، ومنها مقاومة الباطل والظلم، والإيمان بأن النصر مع الصبر

ومن دروس السيرة العظيمة أيضًا الثبات في وجه المحن وعدم الرضوخ للظلم، وهو ما نراه ماثلًا في صمود أهل غزة ومقاومتهم البطولية. إن غرس هذه المعاني في قلوب أطفالنا يعلّمهم أن حب النبي ﷺ يعني التمسك بالقيم التي جاء بها، ومنها مقاومة الباطل والظلم، والإيمان بأن النصر مع الصبر، وأن العزة للمؤمنين لا بالاستسلام، بل بالثبات على الحق.

شاهد أيضاً

بين الإخلاص والهندسة: المعادلة التي تحفظ عمر الحركات

حين ننظر في مسار الحركات الإصلاحية خلال القرن الأخير، نرى مشهدًا محيِّرًا في ظاهره: تنظيمات …