هل ارتقى أبو عبيدة شهيدًا؟

الرئيسية » خواطر تربوية » هل ارتقى أبو عبيدة شهيدًا؟
Abu Obaidah

هل ارتقى أبو عبيدة شهيدًا؟ سؤال يتردّد في القلوب قبل الألسن، يطرق الصدور في كل بيت عربي ومسلم، صغيرًا كان أو كبيرًا، ولا غرابة؛ فقد غدا أبو عبيدة ومن معه من المجاهدين القلب النابض في جسدٍ أنهكته الهزائم والتخاذل والخذلان، جسدٍ لم تبق فيه حياة إلا من نبضات غزة وصمود رجالها. لم يكن حبّ الناس له لشخصه فحسب، بل لما مثّله من روح حيّة، وعزيمة متقدة، وأمل يجدد في الأمة ثقتها بأن طريق العزة لم يُغلق بعد .

وقف أبو عبيدة شامخًا متوكلاً على ربه، يبعث في القلوب طاقة الصمود، ويجسّد بكلماته تضحيات القادة والجند وأهل غزة العظام، الذين ضحّوا بأرواحهم في سبيل الله دون أن يرفعوا الراية البيضاء أو يهنوا أو يحزنوا. لقد جاءت بياناته القصيرة بصوت واثق ولسان ثابت شحنةً من إيمان وكرامة، تذكّر الأمة أن العزة لا تُنال بالشعارات ولا بالوجوه المكشوفة، وإنما بالصدق مع الله، وبالثبات على درب الجهاد، ورفض الخنوع للعدو، مصداقًا لقول النبي ﷺ: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ» (رواه الترمذي).

لقد سار أبو عبيدة على خطى قادةٍ آثروا الخفاء على الشهرة، فكما لم نعرف من الشهيد محمد الضيف -تقبله الله- إلا صدى بطولاته، لم يظهر وجه أكثر قادة القسّام إلا بعد استشهادهم. رجال صدقوا الله فقَصَدوا مرضاته، فعرفهم بين عباده ونشر أثرهم في الأمة، وحسبهم قول الفاروق رضي الله عنه: «حَسْبُهُم أن الله يَعْرِفُهُم».

سواء ارتقى أبو عبيدة إلى ربه شهيدًا، أم بقي حيًّا في خنادق العزة، فإن رسالته باقية، والمقاومة سائرة، والزناد في أيدٍ أمينة. لقد أخطأ العدو حين ظن أن قتل القادة يُسقط المسيرة، وما علم أن كل دمعة أمّ وصرخة يتيم تُنبت ألف مقاتل، وأن جذور المقاومة أعمق من أن تُقتلع . راهنوا على موت حماس، لكنهم غفلوا أن رجالها يستمدون قوتهم من دينهم، وأنهم لا يطلبون دنيا فانية، بل إحدى الحسنيين: نصر من الله أو شهادة مقبولة.

سواء ارتقى أبو عبيدة إلى ربه شهيدًا، أم بقي حيًّا في خنادق العزة، فإن رسالته باقية، والمقاومة سائرة، والزناد في أيدٍ أمينة

إن الأمة اليوم بحاجة ماسّة إلى أن تستلهم صورة أبي عبيدة في كل ميدان. بحاجة إلى رجالٍ يتجرّدون من حظوظ الدنيا، لا تستهويهم المناصب ولا الكراسي، إنما غايتهم أن تعود القدس حرّة، وأن يعلو الأذان من فوق مآذنها. رجال يحيون الدعوة ويذودون عن المقدسات، ويقدّمون دماءهم عربون صدق مع الله، حتى تكون كلمة الله هي العليا.

ولعل أعظم ما يتركه أمثال أبي عبيدة للأمة ليس بيانات النصر وحدها، بل القدوة التي تبني جيلًا جديدًا يعرف أن العزة لا تأتي من موائد السياسة، وإنما من ميادين الصبر والتضحية . وهنا يتحول القائد من شخص إلى منهج، ومن اسم إلى رمز خالد.

إن الأمة اليوم بحاجة ماسّة إلى أن تستلهم صورة أبي عبيدة في كل ميدان. بحاجة إلى رجالٍ يتجرّدون من حظوظ الدنيا، لا تستهويهم المناصب ولا الكراسي، إنما غايتهم أن تعود القدس حرّة، وأن يعلو الأذان من فوق مآذنه

أبا عبيدة.. إن كان الله قد اختارك شهيدًا، فهنيئًا لك ما تمنيت، وقد قال تعالى: ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران: 170]. وإن كنت ما زلت في خنادقك، فنسأل الله أن يحفظك، ويثبّتك، ويرزقك إحدى الحسنيين، وأن يجعلك شوكة في حلق بني صهيون، وسيفًا مسلولًا في يد الحق.

اللهم انصر المجاهدين في غزة وسائر فلسطين، اللهم اربط على قلوبهم وثبّت أقدامهم، اللهم تقبّل شهداءهم واشف جرحاهم وفك أسر أسراهم، اللهم اجعل دماءهم لعنة على عدوك وعدوهم، ونورًا وبشرى لعبادك المؤمنين. اللهم ارزق هذه الأمة رجالًا كأبي عبيدة، يقيمون الحجة، ويرفعون الراية، ويحققون وعدك الذي لا يتخلف: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40].

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

سيكولوجية الرويبضة

لا أدري متى بالضبط بدأ هذا القلق يتسلل إلى داخلي. ربما حين رأيت أحد الممثلين …