التاريخ يشهد أن هؤلاء سلِّموا أسلحتهم فأُبيدوا (1-2)

الرئيسية » بصائر الفكر » التاريخ يشهد أن هؤلاء سلِّموا أسلحتهم فأُبيدوا (1-2)
history-compass

إن أخوف ما يخاف منه أعداء الإسلام هو سلاحٌ بتّار في يد مسلمٍ مجاهدٍ مغوار، ولهذا نجد أن نزع السلاح كان بندًا أساسيًا في أي اتفاق تم بين المسلمين وعدوهم؛ بدايةً من صلح الحديبية عام 6هـ إلى يومنا هذا، فكان من بين بنود صلح الحديبية: (أن لا يكون معه ـ أي مع النبي ﷺ وأصحابه ـ في دخوله مكة غير سلاح الراكب، وتكون السيوف في أغمادها).

ولأجل ما سبق، نهى الله تعالى المسلمين أن يتخلوا عن أسلحتهم حتى ولو كانوا في الصلاة.

قال تعالى: "وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا" (النساء: 102).

ولأجل ما سبق أيضًا، ذكرت كتب السيرة أن النبي ﷺ كان له تسعة سيوف، وأوصلها بعضهم إلى أحد عشر سيفًا.

يقول الشاعر العراقي رشيد الهاشمي:

والعزُّ كلُّ العزِّ في أمةٍ .. تحمي حِماها بعوالي الرماح

إذا أتى الخصمُ لها واديًا .. صفرًا يمرّ منه مرَّ الرياح

الكيان الصهيوني ومحاولة نزع سلاح المقاومة الفلسطينية

لا يخفى على عاقل أن سلاح المقاومة الفلسطينية لم يصل إلى صورته الحالية التي حبست أنفاس العالم دهشةً وذهولًا، إلا بعد جهودٍ مضنية، ومحاولاتٍ عديدة، ونجاحاتٍ وإخفاقات، وتضحياتٍ لا يتصورها عقل ولا تخطر ببال أحد، بدايةً من انتفاضة الحجارة وحتى يومنا هذا.

إن ذلك جعل الكيان الصهيوني وأذنابه يضعون بند (نزع سلاح المقاومة) في كل اتفاق يقدمونه لوقف العدوان على غزة، وهدفهم من ذلك هو تقليم أظافر المقاومة ومخالبها، واستئناس قادتها، وتدجين شعب غزة، ثم القضاء على الجميع دفعةً واحدة، والتاريخ خير شاهد على عشرات المواقف حول العالم التي وافقت فيها الجيوش على التخلي عن سلاحها، فتم تدميرها تدميرًا، وما قامت لها قائمة.

إن ذلك جعل الكيان الصهيوني وأذنابه يضعون بند (نزع سلاح المقاومة) في كل اتفاق يقدمونه لوقف العدوان على غزة، وهدفهم من ذلك هو تقليم أظافر المقاومة ومخالبها، واستئناس قادتها، وتدجين شعب غزة، ثم القضاء على الجميع دفعةً واحدة،

أهم المحطات التاريخية التي تخلى فيها المقاوم عن سلاحه، وعواقب ذلك

1 ـ استسلام مدينة قرطاجة للجيش الروماني:

في عام 146 ق.م استسلمت مدينة قرطاجة للجيش الروماني، فتم إحراقها بالكامل، وقتل واستعباد أهلها.

2 ـ استسلام عبيد روما:

في عام 71 ق.م قامت ثورة العبيد في روما، إلا أن بعض العبيد قد استسلموا بعد وعدهم بالعفو، لكن الرومان قاموا بصلب ستة آلاف عبد منهم على الطرق وفي الميادين ليكونوا عبرة لكل من يفكر في التمرد بعد ذلك.

3 ـ غدر المغول بحكام الدولة الخوارزمية (1220-1221م):

عندما اقترب جنكيز خان، ملك المغول، من مدينة بخارى، رأى بعض أهلها أن يستسلموا مقابل الأمان، إلا أن جنكيز خان أعطى أهل بخارى الأمان في أول دخوله خديعةً لهم، وذلك حتى يتمكن من السيطرة على المجاهدين بالقلعة.

بدأ جنكيز خان بحصار القلعة، بل أمر أهل المدينة من المسلمين أن يساعدوه في ردم الخنادق الموجودة حول القلعة ليسهل اقتحامها، فأطاعوه وفعلوا ذلك.

قام جنكيز خان بحصار القلعة لمدة عشرة أيام، ثم فتحها قسرًا، ولمَّا دخل إليها قاتل من فيها حتى قتلهم جميعًا، ولم يبقَ بمدينة بخارى مجاهدون.

بعد ذلك، سأل جنكيز خان أهل المدينة عن كنوزها وأموالها وذهبها وفضتها، ثم استباح كل ذلك لنفسه، ثم أحل المدينة لجنده، ففعلوا بها ما لا يتخيله عقل.

وجاء في كتاب "البداية والنهاية" للإمام ابن كثير رحمه الله:
"فقتلوا من أهلها خلقًا لا يعلمهم إلا الله، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهليهن، وارتكبوا الزنا مع البنت في حضرة أبيها، ومع الزوجة في حضرة زوجها، فمن المسلمين من قاتل دون حريمه حتى قُتل، ومنهم من أُسر فعُذِّب بأنواع العذاب، وكثر البكاء والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم أشعلت التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها، فاحترقت المدينة حتى صارت خاويةً على عروشها".

4 ـ حصار بغداد وسقوط الخلافة العباسية (1258م):

عندما اجتاح المغول بغداد بقيادة هولاكو، خرج بعض قادة جيش الخلافة العباسية ومعهم عساكر بغداد مستسلمين، فقسّمهم المغول إلى مجموعاتٍ من ألوفٍ ومئاتٍ وعشراتٍ، وذبحوهم جميعًا.

وعد المغول الخليفة المستعصم بالله بالحفاظ على حياته إن استسلم، فخرج إليه ومعه سبعمئة من القضاة والفقهاء والأمراء ورجال الدولة والأعيان، لكنه قُتل بعد ذلك بطريقةٍ وحشية، كما دُمِّرت المدينة بالكامل، وأُبيد سكانها.

5 ـ مجازر تيمورلنك في دمشق وبغداد:

في عام 1399م اتجه تيمورلنك إلى دمشق، وبعد استسلام أهلها أشعل فيها النار ثلاثة أيام حتى أتت على ما فيها، وأصبحت أطلالًا.

وفي عام 1400م اتجه إلى بغداد، فهاجمها هجومًا شديدًا، ودمر أسوارها، وأحرق بيوتها، وأوقع القتل بعشرات الآلاف من أهلها، وبعد أن سلّم الناس أسلحتهم أمر بقطع رؤوسهم، وبنى من جماجمهم أهرامات بشرية.

6 ـ سقوط غرناطة:

نصّت معاهدة تسليم غرناطة عام 1492م على ضمان حقوق المسلمين وحريتهم الدينية، لكن بعد تسليم المدينة نقض الكاثوليك المعاهدة، وأغلقوا المساجد، وحولوها إلى كنائس، وأقاموا محاكم التفتيش.

7 ـ سقوط الأندلس:

كان من أبرز أسبابه غدر النصارى ونقضهم للعهود، فقتلوا عشرات الآلاف، وسبوا مثلهم، وحوّلوا المساجد إلى كنائس، ومارسوا شتى صنوف الاضطهاد.

8 ـ مذبحة يافا عام 1799م:

بعد استسلام آلاف الجنود العثمانيين لنابليون بونابرت، أمر بإعدام نحو أربعة آلاف أسير، بحججٍ واهية، وكان الهدف الحقيقي بث الرعب في قلوب مدن الشام.

9 ـ مجزرة قلعة جانجا عام 1804م:

بعد استسلام الحامية وتسليم سلاحها للقوات الروسية، قُتل حاكمها جواد خان وابنه، وقُتل آلاف المسلمين، ودُمرت المدينة بالكامل.

10 ـ غدر الاحتلال الفرنسي بالأمير عبد القادر الجزائري عام 1847م:

رغم توقيع معاهدة الاستسلام، نكث الفرنسيون عهدهم، واقتادوا الأمير إلى الأسر في فرنسا.

وللحديث بقية في الجزء الثاني من نفس الموضوع، بإذن الله تعالى.

خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

كيف نحتفل بالعربية يومًا ونطعنها بقية العام؟

في اليوم العالمي للغة العربية لا يصحّ أن نقف عند حدود الاحتفاء الرمزي أو التغنّي …