مقالات مشابهة
رغم عراقيل الاحتلال وانتهاكاته.. غزة تبدأ رحلتها نحو التعافي والبناء!
أحمد عبد الرحمن 20 ديسمبر,2025
في هذه الحرب التاريخية مشاهد وكلمات تاريخية، يجب علينا أن نُسجّل بعضًا منها، بقدر ما تُسعفنا به الذاكرة المحدودة؛ فالمشاهد والكلمات التاريخية في هذه الحرب لَهي أكثر من أن تُعدّ.
_ مشهد كلمة بدء الطوفان، التي ألقاها القائد محمد الضيف من وراء الظل، وهو يُعلن انطلاق الطوفان، ويطلب من كل محاور المقاومة أن تهبّ معه، ويطلب من جماهير الأمة كلها أن تهبّ كذلك؛ هو مشهد تاريخي وكلمة تاريخية.
لكن المؤسف أن محاور المقاومة لم تهبّ معه كما كان ينبغي لها أن تهبّ، وجماهير الأمة لم تهبّ مطلقًا، بل لم تُحرّك ساكنًا.
ولو كانت محاور المقاومة قد هبّت كما ينبغي، إلى حيث الحرب الأخيرة المفتوحة، ولو كانت جماهير الأمة قد هبّت كذلك الهبّة التي تنبغي، إلى حيث اقتحام الحدود وإسقاط كل حاكم عميل خائن، لتغيّرت الحرب وتغيّرت نتيجتها، وتغيّر التاريخ الحديث كله.
_ ومشهد نتنياهو، رئيس وزراء الكيان، ذلك الرجل المعتوه النازي، وهو يُلقي خطابه مهددًا متوعدًا، ثم يقول لكل حاكم عربي خائن عميل أو خائف ذليل: اسكتوا.
كأنه يقول لهم: اسكتوا إن كنتم تريدون أن تحافظوا على كراسيكم.
فما كان من حكام العرب، الخونة العملاء الأذلاء، إلا أن سكتوا كما أمرهم سيدهم ووليّ نعمتهم.
لو كانت جماهير الأمة قد هبّت كما ينبغي، لتغيّر التاريخ الحديث كله
_ ومشهد اقتحام الجدار والأسلاك بين غزة وبين الأرض المحتلة التي يقوم عليها الكيان الصهيوني، مشهد تاريخي لا مثيل له؛ فلأول مرة في التاريخ تُقتحم معاقل الكيان الصهيوني في قلب محميّاته ومغتصباته، ولأول مرة في التاريخ يُمرّغ أنفه بهذا الشكل وبهذه الطريقة.
ومشهد إخراج الجندي الصهيوني من الدبابة، ورميه ثم سحبه على الأرض، مشهد تاريخي أسطوري، لن ينساه الصهاينة لعقود، لبقية عمر كيانهم، ولن يكون في عمر كيانهم عقود، بل هي سنون معدودة.
لقد دخل المجاهدون عليهم معاقلهم من باب: ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون...... لكن هذه الآية لا تتحدث عن قاعدة ثابتة لكل زمان ولكل معركة.
ولو كانوا وجدوا، كما قلنا، عونًا لهم في دخولهم؛ عونًا تامًا من محاور المقاومة، وعونًا تامًا من جماهير الأمة، لكان دخولهم التاريخي هذا هو دخول النهاية لهذا الكيان المحكوم عليه بالنهاية.
_ مشهد قادة الحركة في الخارج، هنيّة ومشعل والحيّة والعاروري ومن معهم، في يوم الاقتحام في السابع من أكتوبر، وهم يشاهدون مشاهد الاقتحام على شاشات التلفاز، فيسجدون لله شكرًا، مؤيدين مناصرين لإخوانهم في ساحة المعركة والقتال في غزة، وموافقين من قبل ذلك عليه؛ فما كان لمن في غزة أن يُقدموا على ما أقدموا عليه إلا بموافقة قادة الحركة في الخارج ومباركتهم... مشهد تاريخي سيسجله التاريخ.
وبعد ذلك يُقتل العاروري في لبنان، ويُقتل هنيّة في إيران، ليشاركوا إخوانهم في الداخل في التضحية، كما شاركوهم في القرار.
_ ومشاهد القادة في الخارج وهم يتلقّون أنباء استشهاد أبنائهم، ويتلقّون العزاء فيهم، مشاهد تاريخية لأولئك القادة الذين يُضحّون كما يُضحّي شعبهم، بأبنائهم وأهليهم، ثم بأنفسهم وأرواحهم.
وعلى رأس هذه المشاهد، مشهد القائد إسماعيل هنيّة وهو يتلقّى نبأ استشهاد زمرة من أبنائه وأحفاده معًا، فلا يتلقّى الخبر إلا بثبات الجبال، ويقول ما معناه: نحن من هذا الشعب، نعيش كما يعيش ونُضحّي كما يُضحّي، وليس أبناؤنا بأعزّ من أبناء شعبنا.
والمشاهد التاريخية كثيرة لأناس من غزة يحملون أبناءهم الشهداء، وهم يقولون: فداء للقدس، وفداء لفلسطين، وفداء للمقاومة.
_ ومشهد المراسل الإعلامي وائل الدحدوح، وهو يُلقي على ابنه النظرة الأخيرة، بعدما استهدفه العدو استهدافًا مقصودًا من أجل أن يُخرس صوت الإعلام الصادق الناقل للحقيقة.... يُلقي عليه النظرة الأخيرة ويقول: معلش، بينتقموا منا في الأولاد.
_ ومشهد المراسل الإعلامي أنس الشريف، وهو يردّ على المتحدث باسم الجيش الصهيوني بعدما هدده بالاستهداف المباشر ليُسكته؛ فما كان من أنس الشريف إلا أن ردّ ردّه التاريخي، الذي قاله سحرة فرعون من قبل لما آمنوا وتوعدهم فرعون بالقتل، قالوا، وقال أنس من بعدهم: اقضِ ما أنت قاضٍ، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا.
ثم استُشهد أنس من بعد، وقُضيت حياته الدنيا، وذهب إلى ربه راضيًا مرضيًا.
في هذه الحرب التاريخية مشاهد وكلمات تاريخية، يجب علينا أن نُسجّل بعضًا منها
_ ومشهد المجاهد الذي أُصيب وانقطعت به الأسباب، فجلس ينتظر قضاء الله فيه، وطائرات العدو وكاميرات مراقبته تُصوّره من أعلى، حتى إذا أيقن بالموت، رفع سبابته إلى السماء وهزّها هزًّا، وهو يقول كلامًا لا نسمعه، واليقين أنه يُناجي ربه ويُشهده على استشهاده في سبيله، ثم يخرّ ساجدًا لله، حتى تأتيه منيته وهو ساجد، ليُسمّى بعد ذلك بالشهيد الساجد.
_ ومشهد المجاهد الذي خرج من نفقه وهو يحمل القذيفة المضادة للمركبات، يخرج من نفقه وهو حافي القدمين، وآخر يخرج وهو يلبس حذاءً بسيطًا مهترئًا.
_ ومشهد المجاهد الذي يرمي الدبابة بالقذيفة، ثم يعود راقصًا وهو يجري، ويقول بأعلى صوته: ولعت.... فرِحٌ بتوفيق الله له، وبإثخانه في عدو الله وعدوّه، وتدميره لآلياته وعتاده.
_ ومشهد المجاهد الذي يعتلي الدبابة ويرمي بقذيفته داخلها، هو مشهد مذهل لأولئك الذين نزع الله من قلوبهم الخوف إلا منه، وجعلهم آية يُضرب بها المثل في الشجاعة والإقدام والتضحية.
_ ومشهد الشيخ الكبير الملتحي في المشفى، وهو يُسجّي ابنه الشهيد، ثم يهتف في الناس من حوله، لكل من له شهيد، ويقول كلمته التاريخية: لا تبكِ يا زلمة، نحن في أرض رباط وجهاد.
_ ومشهد الشيخ الملتحي المُعمّم، الذي يحمل طفلته الصغيرة الشهيدة ويداعبها وهي ميتة، ويقول: روح الروح.
شهد أبو عبيدة الله على الأمة التي تخلّت عن أبنائها المجاهدين المرابطين في أرض الرباط
ثم يظلّ بعد ذلك طيلة الحرب يُثبّت الناس ويبعث فيهم الأمل والبهجة بما يستطيع من هدايا، ثم يموت شهيدًا بعد ذلك.
_ ومشاهد أبي عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، كلها مشاهد تاريخية، سيسجلها له التاريخ بما فيها من عزة وشموخ، وبلاغة وفصاحة؛ حتى إن كلماته كانت مبعث السعادة للأمة كلها، والذي يعني مجرد ظهوره أن المقاومة ما زالت بخير، وأن المعركة لم تنتهِ بعد، ولن تنتهي بعد، إلا بنصر الله لعباده المقاومين المجاهدين.
_ ومشهد أبي عبيدة الأخير، في ظهوره الأخير قبل نهاية الحرب، الذي بدا فيه نحيفًا هزيلًا، وبدا فيه صوته ضعيفًا، وكانت المجاعة قد بلغت مبلغها بأهل غزة كلهم، حتى كأنها طالت المجاهدين والمقاومين. في هذا المشهد التاريخي، وفي غيره قبله، أشهد أبو عبيدة الله على الأمة التي تخلّت عن أبنائها المجاهدين المرابطين في أرض الرباط. ثم كان ما كان من بعد هذا المشهد، من انتهاء الحرب، وغياب أبي عبيدة، الذي قيل إنه استُشهد، أو أُصيب إصابات بليغة.
