موقف الدول العربية من المشاركة في القوة الدولية للاستقرار في قطاع غزة

الرئيسية » حصاد الفكر » موقف الدول العربية من المشاركة في القوة الدولية للاستقرار في قطاع غزة
موقف الدول العربية من المشاركة في القوة الدولية للاستقرار في قطاع غزة - عاطف الجولاني – صحيفة السبيل

أعلنت الولايات المتحدة في 2025/9/29 رسمياً خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump لإنهاء الحرب في قطاع غزة، ونص البند 15 منها على إنشاء قوّة استقرار دوليّة مؤقّتة في القطاع. وفي 2025/11/18، اعتمد مجلس الأمن Security Council الدولي القرار 2803 الذي يأذن “بإنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة International Stabilization Force (ISF) في غزة تُنشر تحت قيادة موحّدة مقبولة لدى مجلس السلام، وتُسهم فيها قوات من الدول المشاركة”.

وحدّد القرار مهام القوة بـ”المساعدة في تأمين المناطق الحدودية، واستقرار البيئة الأمنية في غزة عبر ضمان نزع السلاح في القطاع، بما يشمل تدمير البُنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية ومنع إعادة بنائها، وكذلك الإخراج الدائم للأسلحة من الخدمة من قبل الجماعات المسلحة من غير الدول، وحماية المدنيين”.

أولًا: محددات الموقف العربي من القوة الدولية:

برزت مجموعة محددات أثّرت في الموقف العربي من القوة الدولية في القطاع، ومن أهمها:

1. طبيعة المهام الموكلة لتلك القوة، حيث أيّدت الدول العربية أن تكون قوةً لحفظ “السلام” والاستقرار ومراقبة وقف إطلاق النار، وعارضت قيامها بأدوار تنفيذية لفرض الأمن والاستقرار بالقوة.

2. الموقف العربي والدولي المؤكد على ضرورة الحصول على تفويض من الأمم المتحدة، وأن تكون المؤسسة الدولية مرجعية تلك القوة.

3. موقف الإدارة الأمريكية والضغوط التي تمارسها لتشكيل القوة ولإقناع الدول العربية بالمشاركة فيها.

4. الموقف الشعبي الفلسطيني المعارض لنشر قوة تتولى ملاحقة المقاومة ونزع سلاحها.

5. قلق الدول العربية على سلامة القوات المشاركة، والخشية من استهدافها من قبل المقاومة الفلسطينية ومن الجانب الإسرائيلي الذي يواصل تنفيذ اعتداءاته على القطاع ويتمسّك باحتلال مساحات واسعة منه.

6. ردود الفعل الشعبية الداخلية المحتملة في الدول العربية لأي دور في ملاحقة المقاومة ونزع سلاحها، في ظلّ التأييد الواسع عربياً للمقاومة الفلسطينية والتعاطف القوي مع الشعب الفلسطيني.

ثانياً: المواقف العربية المعلنة من المشاركة في القوة الدولية:

اتّخذت الدول العربية موقفاً متحفّظاً من المشاركة في القوة الدولية المقترحة في القطاع، وعارضت اضطلاعها بمهمة فرض الأمن بالقوة. ومن أبرز المواقف العربية المعلنة حتى اللحظة بهذا الخصوص:

1. مصر:

أكّد الموقف المصري ضرورة أن تكون القوة الدولية في قطاع غزة مؤقتة وانتقالية، هدفها تحقيق الاستقرار، وتثبيت وقف إطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات. وفي مؤشر إلى التحّفظ على المشاركة في القوة أوضح وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في 2025/11/11 أنّ مصر تدعم نشر القوة الدولية في غزة، ولكن ليس بالضرورة أن تشارك فيها.

2. الأردن:

أعلن الأردن بشكل صريح رفضه المشاركة في القوة الدولية، وأكّد ضرورة أن تكون قوة لحفظ “السلام” وليس فرضه. وفي 2025/10/27، قال الملك عبد الله الثاني إن هذه القوة “إذا كانت تهدف إلى فرض السلام، فلن يرغب أحد في الانخراط بذلك”. وأضاف: “إذا أصبحنا نجوب غزة في دوريات مسلّحة، فهذا وضع لا ترغب أي دولة في الانخراط فيه”.

3. الإمارات المتحدة:

صرّح المستشار الرئاسي الإماراتي أنور قرقاش في 2025/11/10 بأنّ بلاده لا ترجّح المشاركة في القوة، وأضاف: “لا ترى الإمارات حتى الآن إطار عمل واضح لقوة حفظ الاستقرار، وفي ظلّ هذه الظروف، لن تشارك على الأرجح في مثل هذه القوة”.

4. السعودية:

أعلنت السعودية دعمها نشر قوة دولية في قطاع غزة بقرار من الأمم المتحدة تكون مهمتها دعم السلطة الفلسطينية، وأكّد وزير الخارجية السعودي حمد بن فرحان أهمية هذه الخطوة في دعم السلطة وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

5. الموقف الفلسطيني:

أعلنت السلطة الفلسطينية قبولها مبدأ نشر قوات متعددة الجنسيات في القطاع، شرط أن تكون قوات الشرطة الفلسطينية جزءاً منها، وبما يضمن الحفاظ على النظام العام تحت إشراف وطني فلسطيني. ورحّبت السلطة بقرار مجلس الأمن رقم 2803، وأعربت عن استعدادها للتعاون في تطبيقه. في حين عارضت حركة حماس وفصائل المقاومة القرار، وقالت حماس إنّ إعطاء أي قوّة استقرار “مهاماً وأدواراً داخل قطاع غزة، بما في ذلك نزع سلاح المقاومة، يجرّدها من حيادها ويحوّلها إلى طرف في الصراع”.

6. جامعة الدول العربية:

لم يصدر عن الجامعة موقف واضح من القوة الدولية المقترحة، غير أنّ أمينها العام أحمد أبو الغيط رحّب، شأن معظم الدول العربية، بقرار مجلس الأمن رقم 2803 الذي تحدّث عن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب وتشكيل قوة استقرار في القطاع.

وبالتزامن مع المواقف العربية المتحفّظة على المشاركة في القوّة الدولية والداعية لاقتصار دورها على حفظ الاستقرار لا فرضه بالقوة، برز تردد مماثل في مواقف العديد من الدول الإسلامية كإندونيسيا وباكستان وأذربيجان، حيث تتحفظ على إرسال قوات تتولى مهام نزع السلاح وتفكيك بُنى المقاومة الفلسطينية.

ثالثاً: التوقعات:

يُلاحظ أنّ المواقف العربية المتحفّظة على المشاركة في القوّة الدولية أُعلنت قبل صدور القرار 2803. وعلى الرغم من تأييدها القرار، لم تصدر عن الدول العربية حتى اللحظة مؤشرات جديدة إلى تغيير موقفها الرافض للمشاركة في تلك القوة إذا ما أصرّت الولايات المتحدة على تنفيذها مهام فرض الأمن ونزع السلاح.

وعلى الرغم من ترجيح ممارسة الإدارة الأمريكية مزيداً من الضغوط، بعد صدور قرار مجلس الأمن، لإقناع بعض الدول العربية بالعدول عن رفضها، يُرجّح أن يواصل العديد منها تمسّكه بموقفه المعارض للمشاركة في القوة الدولية، تجنّباً لانعكاسات سلبية على المستوى الشعبي الداخلي وعلى صعيد العلاقة مع الشعب الفلسطيني.

ويغدو مهماً بلورة موقف عربي جماعي للدول المرشّحة للمشاركة في القوّة المقترحة، يؤكد موقفها المعلن ويشترط حصر مهامها في حفظ “السلام” ومراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب. فمن شأن هذا الموقف الجماعي أن يعزّز قدرة الدول العربية على مواجهة الضغوط الأمريكية، ويحول دون الاستفراد بها كلّاً على حدة.

شاهد أيضاً

الإسلام منهج إصلاح لا استبدال

يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا ويبنيها من جديد، أو أنه جاء ليسبح …