وعد الله الذي لا يتخلف: الجهاد بين سنة العمل وسنة النصر

الرئيسية » خواطر تربوية » وعد الله الذي لا يتخلف: الجهاد بين سنة العمل وسنة النصر
بشائر النصر في الذكرى الـ 75 للنكبة

عندما يقول الله سبحانه وتعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) سورة البقرة آية 143. وعندما يقول: (أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) سورة آل عمران آية 195. وعندما يقول: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) سورة الكهف آية 30. فإنه سبحانه وتعالى يؤكد على أنه لا يضيع عمل العاملين في الآخرة، وإن من ظلال المعنى أنه سبحانه وتعالى لا يضيع عمل العاملين في الدنيا كذلك. فالله يجعل لعمل المؤمنين المخلصين الأجر في الآخرة والأثر في الدنيا ولو بعد حين.

في قصة الخضر مع موسى، وعندما أقاما معا البيت المتهدم، قال الخضر لموسى معللا له قيامه بهذا العمل: إن البيت لغلامين يتيمين، وإن أبا هذين الغلامين كان صالحا، وإن تحت الجدار كنزا، فأراد الله بصلاح الوالد أن يحفظ الكنز للأولاد.. إذن، لا يضيع الله عمل المؤمنين الصالحين لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وإذا كنا نتساءل: لماذا أقدم المجاهدون المقاومون على ما أقدموا عليه في السابع من أكتوبر في غزة.

فإن الإجابة ستكون: أقدموا على ما أقدموا عليه ليحركوا المياه الساكنة في قضيتهم، وليبادروا لإفشال خطط قد حيكت في المؤامرة عليهم، وليشعلوا الفتيل الذي ظنوا أنه سيفجر البراكين لتحرق العدو الغاصب ومؤامراته ومخططاته.

ولنا أن نتساءل بعد ذلك: هل تحقق ما أمّله المجاهدون المقاومون بما فعلوه في السابع من أكتوبر؟

وهنا سنجيب بإجابة مختلفة، فإن كنا في سياق آخر نجيب بأنهم قد حققوا ما أمّلوه حقا، ويرد علينا غيرنا بأنهم لم يحققوا شيئا، بل وزادوا في محنتهم، بالمقتلة والمحرقة التي حدثت، وبإبعادهم عن إدارة غزة، وبضرب المقاومة هذه الضربة التي إن لم تكن قاتلة وساحقة فإنها قاصمة وكاسرة..... فإننا في سياقنا هنا سنقول: ولو لم يحقق المجاهدون المقاومون ما أمّلوه بحركتهم في السابع من أكتوبر، فما كان عليهم إلا أن يفعلوا ما فعلوه، ولم يكن لديهم خيار آخر.

ماذا كنا ننتظر من مقاومة أرضها محتلة، وأهلها محاصرون، ومقدساتها مدنسة، ثم هي مع هذا وذاك تنظر للمؤامرات الكبرى والخطط العالمية والإقليمية للإجهاز على قضيتها بالكلية، وإقفال ملفها إقفالا تاما.

ماذا كنا ننتظر من المقاومة مع كل ذلك!!

لم يكن للمقاومة خيار إلا بدوام المقاومة، بل وبفعل أقصى ما تستطيعه، فقد كان السكوت الجهادي من قبل ذلك قد أطمع العدو وحلفاءه في إنهاء القضية برمتها.

ونقول: إن الله أمر المجاهدين بالجهاد، وأمرهم مع ذلك بترك النتائج لله، إن شاء عجّل بالنصر والفتح، وإن شاء أخّره. فإن أخّره، فلا سبيل للمجاهدين إلا بدوام الجهاد والمقاومة، حتى يشاء الله من بعد بما لم يشأه من قبل، وحتى يأذن بالفتح من بعد فيما لم يأذن فيه من قبل.

إن الله أمر المجاهدين بالجهاد، وأمرهم مع ذلك بترك النتائج لله، إن شاء عجّل بالنصر والفتح، وإن شاء أخّره. فإن أخّره، فلا سبيل للمجاهدين إلا بدوام الجهاد والمقاومة، حتى يشاء الله من بعد بما لم يشأه من قبل، وحتى يأذن بالفتح من بعد فيما لم يأذن فيه من قبل

ثم إننا نؤكد ونقول: فإن نصرَ الله من بعد، فبجهاد من جاهد من قبل، وإن فتح من بعد فبصبر من صابر من قبل.

ولنا في ذلك مثل يضرب؛ يقولون: لو أن صخرة عُرضت للناس وأعيتهم في كسرها وتفتيتها وإبعادها عن الطريق، وتوالى على ضربها الناس بالمعاول واحدا بعد واحد، وكُسرت وتفتت في الآخر، فإنها لا تكون قد كُسرت وتفتت بضربة الأخير فقط، ولكن بضربات الجميع، من أولهم إلى آخرهم. وربما تكون ضربة الأول قد كانت الأقوى والأكثر تأثيرا وتمهيدا لما بعدها.

أذكر أنه في ثورات الربيع العربي قد قال القائل: لقد منّ الله على الناس بسقوط الأنظمة الظالمة، لمّا رأى الله جهاد من جاهد في مدافعتها ومغالبتها والإنكار عليها طيلة أعوام وعقود.

وقد كانت الحركة الإسلامية تفعل ذلك، وتظن أن الله سيفتح عليها يوما ما بطريق الانتخابات والاختيارات الشعبية، فإذا به يفتح لها بالثورة الشعبية التي لم تخطط هي لها، ولم تكن تظن أن الله سيفتح لها بها، وقد فتح الله لها من حيث لم تحتسب، ولكنه فتح لها بجهادها ومدافعتها في الطريق الذي ظنته واحتسبته.

صحيح أن هذه الثورات قد انقلبوا عليها بعد ذلك، وعادت الحركة الإسلامية لمحنتها التاريخية، بل وربما لأشد فصول المحنة ظلما لها وطغيانا عليها، لكنا نستشهد هنا بالأمر في أوله، وقد كان كذلك، ثم كان ما بعد لمّا كان ما بعد.

المجاهدون أقدموا على ما أقدموا عليه في السابع من أكتوبر، وهم يظنون أن الله سينصرهم، وسيفتح لهم من حيث احتسبوا. فإن كان الله لم ينصرهم ولم يفتح لهم من حيث احتسبوا ولن نجادل في هذا هنا فإنه سبحانه وتعالى سينصرهم من بعد، وسيفتح لهم من حيث لم يحتسبوا، ولن يكون النصر والفتح اللاحق إلا بالجهاد والصبر السابق.

المجاهدون أقدموا على ما أقدموا عليه في السابع من أكتوبر، وهم يظنون أن الله سينصرهم، وسيفتح لهم من حيث احتسبوا. فإن كان الله لم ينصرهم ولم يفتح لهم من حيث احتسبوا ولن نجادل في هذا هنا فإنه سبحانه وتعالى سينصرهم من بعد، وسيفتح لهم من حيث لم يحتسبوا، ولن يكون النصر والفتح اللاحق إلا بالجهاد والصبر السابق

يقولون: إنه من المتوقع أن يتشرذم الكيان الصهيوني، وينهي نفسه بنفسه، مع هذا الكم الكبير من الخلافات والتناحر بين رؤوسه السياسية وأطيافه السياسية والعقائدية.

نقول: هذا وارد جدا، وإن كان، فسيكون بفضل الله وكرمه على عباده المجاهدين المقاومين، جزاء لهم في الدنيا على جهادهم وصبرهم وثباتهم، مع ما أعده الله لهم من الأجر التام والنعيم المقيم في الجنة الخالدة.

يقول ابن عطاء الله السكندري في حكمه: لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك، فهو قد ضمن الإجابة لك فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد.

والشاهد في هذه الحكمة قوله: فهو قد ضمن الإجابة لك.... في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد.

وقد أمر الله المؤمنين بالجهاد مع الثبات والصبر، وضمن لهم الأجر والثواب في الآخرة، ثم وعدهم بأن تكون نهايات المعارك في الدنيا لهم.. ونهايات المعارك تكون بالنصر لعباد الله المؤمنين المجاهدين، ولكنها تكون في الوقت الذي يريده الله، لا في الوقت الذي يريده المؤمنون المجاهدون، وبالكيفية التي يريدها لا بالكيفية التي يريدونها.. ولا ينصر الله ويفتح في الآخر إلا بالجهاد والصبر في الأول، ولو لم يكن فلن يكون.

شاهد أيضاً

سيكولوجية الرويبضة

لا أدري متى بالضبط بدأ هذا القلق يتسلل إلى داخلي. ربما حين رأيت أحد الممثلين …