إسرائيل لا تحتاج إلى قانون لتنفيذ الإعدامات بشكل روتيني فهي تفعل ذلك منذ سنوات

الرئيسية » حصاد الفكر » إسرائيل لا تحتاج إلى قانون لتنفيذ الإعدامات بشكل روتيني فهي تفعل ذلك منذ سنوات
إسرائيل لا تحتاج إلى قانون لتنفيذ الإعدامات بشكل روتيني فهي تفعل ذلك منذ سنوات - ترجمة حضارات عن صحيفة هآرتس – حضارات للدراسات

المقال الأصلي بقلم: شيري دافيدوفيتش (باحثة في منظمة بتسيلم)

في الأسابيع الأخيرة، صُدم الرأي العام الليبرالي في إسرائيل بالنقاش الدائر حول مشروع قانون عقوبة الإعدام لـ“الإرهابيين”، وبلغت ذروة هذا الجدل عندما حضر أعضاء من حركة “عوتسما يهوديت” إلى خيمة الاجتماع وهم يرتدون دبابيس على شكل حبل مشنقة، وبينما يشعر هذا الرأي العام بالرعب من المستقبل الكئيب الذي يرسمه مشروع القانون، ومن وحشية القتل الصارخة التي يتباهى بها إيتامار بن غفير وأصدقاؤه، فإنه في الوقت نفسه يتجاهل الواقع الراهن، حيث أصبحت عقوبة الإعدام بالفعل مصير الفلسطينيين.

لسنوات، فرضت غارات الجيش الإسرائيلي أحكام إعدام جماعية على الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي العامين الماضيين، تفاقمت هذه الأحكام لتشمل الجميع، ففي السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية، التي تحولت مباشرة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلى شبكة من معسكرات التعذيب للفلسطينيين، قُتل ما لا يقل عن 98 سجينًا ومعتقلًا فلسطينيًا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، معظمهم نتيجة انتهاكات قوات الأمن والإهمال المتعمد، ولم يفرّق هذا العنف المميت بين سجين يقضي عقوبة السجن المؤبد ومعتقل إداري لم تُوجَّه إليه أي تهمة ولم يُدان بأي شيء، كما لم تُتح لأيٍّ من هؤلاء القتلى الفرصة لمناقشة حكمه، أو الدفاع عن براءته، أو حتى الاستعداد للموت وتوديع أحبائه.

أما بالنسبة للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية، فإن التواجد في المكان الخطأ في الوقت الخطأ، أو القيام بحركة مفاجئة، أو الاستجابة بشكل غير دقيق لأمر ما، هي أسباب كافية غالبًا لفرض عقوبة الإعدام، خذوا على سبيل المثال قصة الأخوين أميرة، خلال مداهمة للجيش في يونيو الماضي، كان نضال وخالد أميرة يسيران في أزقة البلدة القديمة في نابلس في طريقهما لمساعدة عائلة تحاول إخلاء المنطقة، جرى اعتقالهما وضربهما، ثم أُطلق عليهما النار حتى الموت على يد جنود، بعد ذلك، ادّعى الجيش أنهما “إرهابيان”.

أظهر تحليل جنائي للفيديو، نُشر الأسبوع الماضي من قبل منظمتي بتسيلم وإندكس، أنهما لم يُشكّلا أي خطر على أحد، فقد أُعدم خالد برصاصة في الرأس من مسافة قريبة جدًا، بينما كان مُثبّتًا على الأرض ومحاطًا بجنود مسلحين. أما نضال، فقد أُطلق عليه النار في ظهره من مسافة قريبة بينما كان عاجزًا عن الفرار، وبعد إطلاق النار عليه، نزف نضال حتى الموت، ومنع الجنود المسعفين من الوصول إليه.

قبل نحو أسبوعين، قُتل أحمد خليل رجبي، فتى يبلغ من العمر 17 عامًا، كان قد ذهب للتسوق في الخليل لعائلته، في ظروف مماثلة، بعد أن أشار إليه الجنود بالتوقف، أوقف سيارته وبدأ بالقيادة ببطء عائدًا في اتجاههم، وبعد أن أطلق أحد الجنود النار في الهواء دون سبب واضح، خاف رجبي على ما يبدو فزاد من سرعته، فقتله الجنود بوابل من الرصاص.

كما أسفر إطلاق النار العشوائي عن مقتل زياد أبو داود، عامل النظافة الذي كان يمر بالمكان. وفي بيان أولي، وصف الجيش كلاً من رجبي وأبو داود بأنهما “إرهابيان” كانا يعتزمان تنفيذ هجوم بسيارة مفخخة، قبل أن يصدر لاحقًا تصحيحًا يعترف بأن أبو داود كان عابر سبيل وقُتل عن طريق الخطأ.

كما توضح البيانات العسكرية، فإن تعريف إسرائيل لمصطلح “إرهابي” مرن للغاية وشامل تقريبًا، ويُستخدم كأداة لتبرير أي قتل لأي فلسطيني.

من المفترض أن يحدد القانون الحدود، وأن يوضح للفرد ما الذي ينقله من مساحة تُصان فيها حقوقه إلى مساحة يُسمح للدولة فيها بحرمانه منها دفعة واحدة، لكن لسنوات طويلة، لم تكن هناك “خارطة طريق” كهذه للفلسطينيين الذين يعيشون في غزة والضفة الغربية، ولا للفلسطينيين المحتجزين في معسكرات التعذيب التي تديرها إسرائيل في سجونها ومراكز احتجازها، إنهم لا يعرفون ما الذي يجب عليهم فعله أو تجنبه حتى لا تحكم عليهم الدولة بالإعدام.

يعتمد مشروع قانون عقوبة الإعدام المقترح لـ“الإرهابيين” على هذه الحدود الضبابية، فكما تُظهر البيانات الصادرة عن الجيش بعد مقتل نضال وخالد وأحمد وزياد وغيرهم، فإن تعريف إسرائيل لـ“الإرهابي” مرن للغاية، يكاد يكون شاملًا. وتستخدم إسرائيل هذا التعريف في المقام الأول لتبرير أي قتل لأي فلسطيني بأثر رجعي، بغضّ النظر عن هويته أو أفعاله الفعلية، ورغم أن القانون في صيغته الحالية يعرّف “الإرهابي” بأنه الشخص المتهم بقتل مدنيين إسرائيليين، فمن غير المرجّح ألا يتسع هذا التعريف ويزداد مرونة حتى يندمج مع الاستخدام الشائع له.

بدأت تداعيات مشروع القانون تتلاشى، وفي الوقت نفسه تواصل إسرائيل إعدام الفلسطينيين بوتيرة متزايدة، ومن المرجّح أن يتضح لاحقًا أن قانون عقوبة الإعدام لـ“الإرهابيين” لم يكن سوى حملة تأثير من اليمين المتطرف، عملت في الغالب جنبًا إلى جنب مع التطرف العنيف على أرض الواقع، الهدف الرئيسي من هذه الحملة هو تعويد الرأي العام الإسرائيلي على خطاب أكثر تطرفًا وفتكًا، والهدف النهائي هو تهيئة القبول لاختراق كامل لآخر الحدود التي ما تزال تقيد العنف الممنهج الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين.

إذا كان الرأي العام الليبرالي يرغب حقًا وبصدق في إيقاف هذه العملية، فإن الخطوة الأولى يجب أن تكون الاعتراف بمبدأين أساسيين للنظام الإسرائيلي: سيادة اليهود، ورخص حياة الفلسطينيين المطلقة، هذان المبدآن هما ما سمحا بتنفيذ عمليات الإعدام الروتينية باسم الرأي العام الإسرائيلي لسنوات.

شاهد أيضاً

الوقود في غزة: سلاح خفي يدير السياسة والحياة تحت الحرب!

حين تدار غزة عبر الوقود.. السياسة والطاقة في زمن الحرب في غزة، حيث تتعرى مأساة …