أردني فلسطيني!!

الرئيسية » بأقلامكم » أردني فلسطيني!!
jordanpalestine

أنا أردني من أصول فسطينية، كحال الكثيرين من الفلسطينيين الذين هُجّروا قسرا من أوطانهم، وأُخرجوا من ديارهم وأبعدوا عنها، واقتلعتهم شوكة المحتل من بيوتهم واجتثتهم من أرضهم كما الزيتون، لا تهوي به الريح؛ وإنما إذا أردت أن تخرجه من أرضه، فعليك أن تجتث جذوره اجتثاثاً، فهو ثابت وأصيل فيها، بل متجذر فيها حدَّ الثبات كالرواسي الشامخات.

وأنا اليوم أكتب هذه الكلمات إبان مرورنا بالذكرى التاسعة والتسعين لوعد بلفور المشؤوم، الذي لم يكن ليتم لولا تخاذل العربان، ولولا فرقتهم، ولولا بُعد أمة التوحيد عن دين الله عز وجل، حين فكرنا بالاستقلال عن أنفسنا، وأن نصبح دويلات تديرها عشائر وقبائل وملوك، فقط عندها تشرذمنا، وتجرأ أبناء اللئام علينا واستُعمرنا وقُتلنا وشردنا، فقط لأطماعنا في الحكم.

أكتب هذا المقال وأنا جالس في عاصمة الأردن الحبيب عمان، من قلب هذا الوطن المعطاء، وأنا أحمل رقمي الوطني الأردني وأتمتع بالجنسية الأردنية كمواطن أصيل لا طارئ ولا منقوص الحق أو مضطهد أو منبوذ، أعيش وسط العشائر الأردنية الشهمة وبين أبنائهم الكرام الذين ما طَلَبَتْهم النخوة يوماً إلا لبَّوا لها مسارعين، بل وباذلين أرواحهم ومهج أنفسهم فداءً لمن استعان بهم أو مد يداً لهم.
أكتب هذه الكلمات لا تملقاً بل إنصافاً، فأنا لا أرجو من مقالي هذا منفعة ولا مصلحة، ولا أتقرب من أحدهم شبراً ولا أنال به مكرمة، وإنما هو الوفاء والشعور بواجب شكر الجميل.

لا أدري لماذا عندما أتذكر مصيبة الشعب الفلسطيني وموقف الأردنيين معهم فإنني أتذكر المهاجرين والأنصار مباشرة، ذلك الموقف التاريخي الذي يعجز البشر أن يتصوروه تصوراً لا أن يطبقوه حقيقة، إلا أننا قد رأيناه حقاً في هذا الوطن المعطاء.

سمعت ذات يوم درساً من مفتي الشمال في الأردن رحمه الله تعالى وكان اسمه "الشيخ عدنان أبو حجلة" يقول: لما قدم خالد بن الوليد إلى الأردن يوم اليرموك، شكا له بعض من قادة الجيش قلة الزاد وخشية نفاده قبل المعركة، فقال لهم لا تقلقوا، فإن من ورائنا أهل الأردن، وأهل الأردن أهل كرم ونخوة وشهامة، وهو ما كان، فما أن لبث الجيش يعسكر، حتى قدم عليهم أهل مناطق الأردن بالطعام والزاد والماء.

في الأردن عاش اللاجئ الفلسطيني معززاً مكرماً، عمل مع أبنائهم، وتزوج من نسائهم، وشاركهم السكن والتجارة والمال، كأنهم في وطنهم، وربما أفضل.

في المقابل فإن الفلسطيني يعتبر نفسه أردنياً، يقدم لوطنه الأردن كما فلسطين، ويحبه كحب فلسطين، لا يتنكر لكلا البلدين، فهو يقول أنا أردني إلا أنني من أصول فلسطينية، أي أنني صاحب قضية، إلا أنني ولدت في الأردن، أو عشت كل عمري أو جله في الأردن، فأنا أردني الدم، فلسطيني القلب، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار ذات يوم: "المحيا محياكم، والممات مماتكم".

ذات يوم ستتحرر فلسطين، وسنرجع إلى أرضنا هناك وبيوتنا التي طردنا منها، أنا سأعود لها زائراً، لكنني لا أخالني إلا مقيماً في الأردن، فأنا أردني المولد، أردني المحيا، أردني الإقامة، أردني في كل ما حولي، وهذا لا ينسيني يوماً أنني أحب فلسطين.

قرأت ذات يوم في مذكرات أحد قادة الصهاينة إبان حرب العرب لليهود عام 1948م، حيث يقول: تقاتلنا مع القوات العربية، إلا أن أشدها بأساً كان الجيش الأردني والجيش العراقي، نعم فحب فلسطين يجري في عروق الأردنيين كالدم تماماً، وهم يهتفون لها وكأنها بلدهم ووطنهم، وهم يرفضون أي تطبيع مع الصهاينة، فالمستوى الشعبي الأردني وطني لأبعد الحدود، يحب أرضه ويحب ثرى فلسطين، وكم من الشهداء رووا بدمائهم ثرى فلسطين لا نزال نذكرهم إلى يومنا الحاضر.

لكن.. لا تخلو بين الفينة والأخرى من أدعياء الفتنة وأصحاب الأجندات السوداء، والذين يعيثون في الأرض فساداً، ممن يشعلون نار الفتنة هنا وهناك، بدعوى العصبية والقبلية الضيقة النتنة، فيثيرون في الناس أن هذا أصله أردني وهذا أصله فلسطيني ليحققوا مآربهم الشخصية الأنانية، فيجعلوا منها قضية، ويحبوا أن يجعلوها حالاً عامة بين أفراد الشعب، لكن في النهاية يبوؤوا بإثمهم كما يبوؤوا بفشلهم. فالشعب أغلبه واعٍ، محبٌ للأردن وعاشق لثرى فلسطين، لا تهزه هذه المحاولات الخبيثة، وكما رأينا من المنافقين من نادى ضد المهاجرين في المدينة، فإننا سنرى أدعياء للفتنة هنا وهناك بين الفينة والأخرى، لكن ما يُطمئن أن أغلب الشعب الأردني بكل مكوناته مدرك لحقيقة الأدعياء الذين يقفون خلف تلك العصبية المقيتة، عارفٌ لأهدافهم، متبصرٌ لأطماعهم، فيبقون رجالاً شامخين في مواقفهم ووطنيتهم أسوداً لا تغيرهم الأهواء وبواطل الشياطين.

إن الأردن وفلسطين ضفتين لنهر واحد، جزأين لقلب واحد، جسد واحد، إرادة واحدة، وحب واحد، ولقد ريأناهم توحدت صفوفهم ضد بلفور، وهتفوا جميعاً لغزة، وقدموا لها من أموالهم، ولو كان بأيديهم لقدموا لها من دمائهم وأبنائهم، كما الفلسطينيون تجندوا في الجيش العربي الأردني، وخدموا وطنهم وقدموا له، هذا لم ينبع من كونهم أردنيين أو فلسطينيين، بل من كونهم عرباً ومسلمين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

عندما تفضح قاعة السينما أسطورة الجيش الذي لا يُقهَر

"تعالي خديني.. رنّي على حدّ ييجي ياخدني.. أمانة.. أنا بخاف من الظلام، تعالوا خدوني". كانت …