الاستدراك الواعي – محمد أحمد الراشد

  • Version
  • Download 119
  • File Size 9.37 MB
  • File Count 1
  • Create Date 12 يوليو,2025
  • Last Updated 12 يوليو,2025

الاستدراك الواعي - محمد أحمد الراشد

يحمل كتاب "الاستدراك الواعي" للمفكر محمد أحمد الراشد ملامح فكرية وتربوية عميقة، ويشكّل حلقة متقدمة في مشروع المؤلف للإصلاح الدعوي والفكري والحركي. فالكتاب ليس مجرد عرض لأفكار عابرة، بل هو مراجعة جادة ومركّزة لمسيرة العمل الإسلامي، من خلال دعوة صريحة لإعادة النظر، وتقويم الذات، وممارسة النقد الذاتي بأسلوب ناضج يجمع بين الفكرة والحرارة الوجدانية والجرأة الأدبية.

يتمحور "الاستدراك الواعي" حول مفهوم رئيس يتمثل في ضرورة امتلاك الحركات الإسلامية لوعي نقدي ذاتي، يسمح لها بإصلاح مسارها وتجاوز أخطائها، دون أن يؤدي ذلك إلى الانهيار أو جلد الذات. ويرى الراشد أن "الاستدراك" ليس خجلاً من التجربة، بل هو دليل نضج واستيعاب للسنن، واستعداد للارتقاء من خلالها.

ينتقل الكاتب من هذه الأرضية الفكرية إلى معالجة إشكاليات كبرى اعترضت طريق العمل الإسلامي المعاصر، خاصة في تجاربه الحركية. فيرصد بجرأة نقاط الضعف، ومنها التسرّع في الحشد، والانشغال بالشكل التنظيمي على حساب التربية، والانبهار بالحشود دون مراعاة جودة الكوادر، فضلاً عن تفشي "النزعة الانتصارية" التي جعلت بعض الإسلاميين يبالغون في تقدير قوتهم وتأثيرهم.

ويُميز الكتاب نفسه بتوسله بأسلوب أدبي عاطفي، يحمل نَفَسًا وجدانيًا عميقًا، وقدرة فائقة على استثارة القارئ فكريًا وروحيًا في آنٍ واحد. فالمؤلف يمزج بين التحليل العقلي والنَّفَس الدعوي، وبين توظيف الأدلة الشرعية والتجارب الواقعية، ما يجعل الكتاب نصًا مركّبًا بين الفكر والتزكية، وبين النظر الاستراتيجي والخطاب التحريضي الإيجابي.

ويتجلّى البُعد التربوي للراشد في دعوته للرجوع إلى المنابع الأولى للتربية الإسلامية: الصدق، والتواضع، والزهد، والصبر، وحسن الخلق، وتحقيق الربانية. ويشير إلى أن الأخطاء المنهجية لا تُعالَج إلا عبر التربية القلبية العميقة، التي تُعلي من شأن الفرد المخلص لا التنظيم وحده.

وفي استعراضه لمسيرة الصحوة الإسلامية، يتوقف الراشد طويلاً عند عقدتي "التمكين" و"الابتلاء"، مبينًا كيف أخفقت بعض التجارب الإسلامية في اجتيازهما؛ الأولى بسبب الغرور والاندفاع، والثانية بسبب الجزع وقلة الثبات. وهنا يؤكد أن الاستدراك الواعي لا بد أن يضع هذه المعادلات في الحسبان، ويعيد بناء الذات المسلمة إعدادًا وتمكينًا لا احتفالًا بالنصر الموهوم.

كما يحذر المؤلف من ظاهرة الاستسهال الفكري، والاكتفاء بنصوص ملهمة دون تمحيص أو فهم معمّق، مشيرًا إلى أن "الاستدراك" لا يكتمل دون امتلاك أدوات الفكر والاجتهاد والتأصيل، وليس فقط بالخطابة والتحفيز.

من الجوانب اللافتة في الكتاب أيضًا نقده الرصين لفكرة "التحزّب الدعوي"، وميله إلى توسيع الأفق الإسلامي بحيث يتجاوز الانتماء الضيق إلى رؤية شمولية تعلي من المبدأ وتقلل من التعصب. وهذا يجعله قريبًا من الروح المقاصدية للإسلام، ويدفع القارئ للتفكير العابر للولاءات المؤسسية.

ختامًا، يُعد "الاستدراك الواعي" رسالة إلى كل العاملين في ميدان الدعوة، وجرس إنذار لكل حركة إسلامية تسعى لتصويب المسار، كما أنه ينتمي إلى تيار "النقد الإصلاحي من الداخل"، الذي لا يهدّم بل يبني، ولا يسبّ بل يوجّه، ولا يكتفي بالبكاء على الأطلال بل يخطط لاستئناف السير.

Attached Files

FileAction
الاستدراك_الواعي_؛_محمد_أحمد_الراشد_.pdf تحميل