الاستنباط الاستراتيجي – محمد أحمد الراشد

  • Version
  • Download 30
  • File Size 2.66 MB
  • File Count 1
  • Create Date 18 نوفمبر,2025
  • Last Updated 16 نوفمبر,2025

الاستنباط الاستراتيجي - محمد أحمد الراشد

يُعد كتاب "الاستنباط الاستراتيجي" للدكتور محمد أحمد الراشد محطة فكرية متقدمة في مشروعه الإصلاحي والحركي، حيث ينتقل فيه من مستوى "التوجيه الدعوي" و"التربية الإيمانية" إلى مستوى أعلى من التحليل الاستراتيجي والتخطيط الحضاري.

الكتاب محاولة جادة لقراءة الواقع الإسلامي من منظور أعمق، يستند إلى منهج الاستنباط العقلي والشرعي، بعيدًا عن الانفعالات السطحية والشعارات المتعجلة. وهو عمل يجمع بين الإحياء الروحي والتحليل السياسي والوعي الحضاري، مع غلبة نَفَسٍ تربوي يُميز أسلوب الراشد.

ينطلق المؤلف من فكرة أن الأزمة الإسلامية ليست أزمة إيمان أو منهج، بل أزمة استراتيجية في التفكير والعمل وتقدير المآلات. فالأمة – برأيه – تمتلك ذخيرة هائلة من النصوص، والقيم، والطاقات البشرية، لكنها تحتاج إلى منهجية واعية في الاستنباط من القرآن والسنة، تُترجم المبادئ الكبرى إلى خطط حضارية قابلة للتطبيق. لذلك يقدّم الراشد مفهوم "الاستنباط الاستراتيجي" الذي يقوم على قراءة النصوص الشرعية قراءة عميقة تستحضر السنن الإلهية، وسيرة الإصلاح عبر التاريخ، مع ربطها بالواقع المعاصر وتحدياته.

الكتاب يشرح كيف يمكن للمصلح أو الحركي أو القائد أن ينتقل من مجرد العاطفة الدينية إلى البصيرة، ومن ردّات الفعل إلى التخطيط الهادئ، ومن الاستهلاك التربوي إلى الإنتاج الحضاري. ويعرض المؤلف نماذج من السنن القرآنية التي تُهمل في الخطاب الدعوي المعاصر، مثل سنة التدافع، وسنة الابتلاء، وسنة التدرج، وسنة التمكين، مبينًا أن الوعي بهذه السنن شرط لفهم مسار الأمم، وتوقع النتائج، وتوجيه الجهود بواقعية.

كما يتناول الراشد أخطاء الخطاب الإسلامي المعاصر، سواء في الإفراط أو التفريط؛ فهناك من يغرق في العنف وردّات الفعل، وهناك من يكتفي بالإصلاح الجزئي البطيء، دون رؤية استراتيجية بعيدة المدى. ويسعى المؤلف إلى إعادة التوازن بين هذين الاتجاهين، داعيًا إلى مدرسة إصلاح واعية تجمع بين الحكمة والجرأة، وبين التربية والتخطيط، وبين بناء الفرد وتحريك المجتمع.

ويُبرز الكتاب أهمية النخبة الواعية، القادرة على التفكير بعمق، وتقديم الاجتهادات المعاصرة، وصياغة الخطط، وقيادة العمل الإسلامي بعيدًا عن التشنج والحماسة غير المنضبطة. كما يشدد على مركزية بناء المؤسسات، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتجاوز الفردية والانفعالات، وتحويل الأفكار إلى واقع. ويعرض نماذج تاريخية من السيرة النبوية والخلافة الراشدة تؤكد كيف اعتمدت القيادة الإسلامية الأولى على التخطيط، والقدرة على تقدير المواقف، وتحويل الأزمات إلى فرص.

كما يناقش الراشد العلاقة بين العمل الدعوي والسياسي، مبينًا أن الفصل بينهما يضرُّ بالدعوة ولا يخدم السياسة، وأن الاستراتيجية الإسلامية تفرض تكامل الأدوار لا تنازعها. وفي الوقت نفسه يحذر من التسرع السياسي، ويؤكد ضرورة التدرج، وبناء الحاضنة الشعبية، وإعداد القيادات قبل خوض أي مواجهة أو مشاركة كبرى.

أسلوب الكتاب – كالعادة عند الراشد – يجمع بين العمق الفكري والنفَس الوعظي، وبين السرد الأدبي والتحليل العلمي، مما يجعله ممتعًا للقارئ وفي الوقت نفسه محفزًا للتفكير. وهو من الكتب التي تُسهِم في بناء الوعي الحركي لدى القيادات والمهتمين بالإصلاح، إذ يقدّم لهم رؤية واسعة للواقع، ويوجّههم نحو قراءة استراتيجية للأحداث بعيدًا عن الارتجال.

Attached Files

FileAction
الاستنباط_الاستراتيجي_؛_محمد_أحمد_الراشد_.pdf تحميل