البغي السياسي .. دراسة للنزاع السياسي الداخلي المسلح – د. عبد الملك حسن

  • Version
  • Download
  • File Size 59.87 MB
  • File Count 1
  • Create Date 20 ديسمبر,2025
  • Last Updated 10 ديسمبر,2025

البغي السياسي .. دراسة للنزاع السياسي الداخلي المسلح - د. عبد الملك حسن

يُعدّ كتاب البغي السياسي لعبد الملك منصور حسن من الدراسات الفكرية والفقهية التي تسعى إلى معالجة واحدة من أشد القضايا تعقيدًا في تاريخ الاجتماع الإسلامي: قضية الخروج السياسي والعدوان على السلطة الشرعية وما يترتب عليه من اضطراب الأمن وانقسام الأمة. فالكتاب لا يتناول الموضوع بطريقة تاريخية فقط، ولا يقف عند حدود التحليل السياسي المجرد، بل يمزج بين التأصيل الشرعي، وقراءة التجارب التاريخية، وفهم السنن الاجتماعية التي تجعل البغي أحد أخطر الظواهر المهددة لاستقرار الدول والمجتمعات.

ينطلق المؤلف من أنّ البغي السياسي ظاهرة قديمة صاحبت نشوء السلطة منذ بداياتها، وأنها لا تنفصل عن طبيعة النفس الإنسانية وصراعها على القوة والجاه. لكنه يؤكد أن الإسلام وضع ضوابط محكمة لإدارة السلطة والخلاف، وحدد مسارات واضحة لتجنب الفتن، وأن الخروج على هذه الضوابط يؤدي حتمًا إلى الفوضى وسفك الدماء وانهيار العمران. لذلك يحرص الكتاب على الجمع بين النصوص الشرعية والوقائع التاريخية، لإبراز دقة التشريع الإسلامي في الوقاية من البغي ومعالجة آثاره.

يعرض المؤلف في فصوله الأولى الأسس الشرعية لمفهوم البغي، فيستشهد بالآية الجامعة من سورة الحجرات التي نصت على قتال الفئة الباغية إذا اعتدت، بعد الدعوة إلى الإصلاح. ويبين أن القرآن لم يجعل التعامل مع الباغين قائمًا على التشفي أو الانتقام، بل على ردّ الظلم وإعادة الحق، مع الدعوة الدائمة إلى الصلح ما أمكن. كما يعرض المؤلف ما قرره الفقهاء في تعريف البغي وشروطه: من وجود شوكة وقوة، ورفض الانقياد للسلطة الشرعية، وتسبب الفئة الباغية في الضرر العام.

ويتوسع الكتاب في بيان جهود العلماء عبر العصور في تحليل ظاهرة البغي، بدءًا من كتب السياسة الشرعية، ومرورًا بالمدونات الفقهية الكبرى، وصولًا إلى الكتب التي تناولت الفتن والصراعات السياسية في التاريخ الإسلامي. ويظهر في عرض المؤلف أن الفقه الإسلامي لم يكن يومًا فقهًا نظريًا، بل فقهًا واقعيًا يتعامل مع الأحداث، ويضع قواعد للحد من توسع الفتن دون أن يُسقط الواجبات الشرعية أو يُغفل حقوق الأفراد والجماعات.

ثم ينتقل المؤلف إلى الفصل المتعلق بالعوامل المؤدية إلى البغي، حيث يبين أن الانحراف السياسي لا يظهر فجأة، بل يُبنى على تراكمات: ضعف التربية، غياب العدالة، انتشار الظلم، سوء إدارة الخلاف، تهميش العلماء، وضياع مؤسسات الشورى. ويرى أن غياب هذه الأسس يُنتج بيئة خصبة للنزاعات المسلحة، وأن الوقاية من البغي تتطلب عدلًا يعم الناس، ورشدًا في القرار السياسي، ووجود قنوات سليمة للتعبير عن الرأي.

ويولي المؤلف مساحة واسعة للتحليل التاريخي، فيعرض نماذج من الفتن التي وقعت في عصور مبكرة، ويركز على الدروس التي ينبغي أن تُستخلص منها في إدارة الخلاف. لا يهدف الكتاب إلى إعادة فتح الجراح القديمة، بل إلى تقديم قراءة واعية تُظهر كيف أن سوء تقدير المواقف يمكن أن يقود إلى انهيار اجتماعي وسياسي واسع، وكيف أن التساهل في إشعال الفتن قد يكلف الأمة أثمانًا ضخمة.

وفي الفصول اللاحقة يتناول الكتاب آثار البغي السياسي، مبيّنًا أنه لا يؤدي فقط إلى سفك الدماء، بل يتسبب في تعطيل مؤسسات الدولة، وانتشار الفساد، وانهيار الثقة بين الحاكم والمحكوم، وتمدد القوى الخارجية المستغلة للاضطراب. ويرى المؤلف أن معالجة آثار البغي ليست مهمة عسكرية فقط، بل مهمة فكرية وتربوية وإعلامية، تستهدف إعادة بناء الوعي الجمعي ووحدة الصف.

كما يقدم الكتاب رؤية إصلاحية تتعلق بمنهج التعامل مع البغاة، ويستعرض ضوابط الشرع في القتال، وحقوق الفئة الباغية قبل القتال وبعده، وضرورة عدم التوسع في العقوبات، والالتزام بالعدل حتى مع من وقع في البغي. ويؤكد المؤلف أن هدف التعامل مع البغي في الشريعة هو إعادة الوحدة، لا الانتقام ولا توسيع الشقاق.

ويختم الكتاب ببيان أنّ الوقاية من البغي السياسي تبدأ من بناء وعي الأمة، وترسيخ مبادئ الشورى، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وصناعة جيل قادر على إدارة الاختلاف دون أن يتحول إلى صراع مسلح. فالبغي في نظر المؤلف ليس مجرد قضية فقهية، بل قضية حضارية تمس حياة الأمة كلها.

Attached Files

FileAction
البغي_السياسي_.pdf تحميل