الجنسية في الشريعة الإسلامية – د. رحيل غرايبة

  • Version
  • Download 2
  • File Size 5.09 MB
  • File Count 1
  • Create Date 23 ديسمبر,2025
  • Last Updated 10 ديسمبر,2025

الجنسية في الشريعة الإسلامية - د. رحيل غرايبة

يمثّل كتاب الجنسية في الشريعة الإسلامية للدكتور رحيل غرايبة واحدة من الدراسات الفقهية المعاصرة التي تعالج قضية حديثة في إطارها القانوني لكنها ذات جذور عميقة في الفقه السياسي الإسلامي. فالكتاب يسعى إلى بيان موقع مفهوم “الجنسية” — بمعناه القانوني والاجتماعي الحديث — داخل البناء الفقهي الإسلامي، وكيف تعاملت الشريعة مع علاقات الانتماء، والولاء، والحقوق، والواجبات، والتنظيمات السياسية التي ترتبط بوجود الدولة الحديثة.

ينطلق الدكتور رحيل غرايبة من أن مصطلح “الجنسية” وإن كان مصطلحًا مستحدثًا في صيغته القانونية المتداولة اليوم، إلا أنّ مضمونه متصل بموضوعات أصيلة في الفقه الإسلامي، مثل: دار الإسلام، ودار العهد، ودار الصلح، والهجرة، والولاء والبراء، والذمة، والبيعة، والانتماء السياسي. لذلك يظهر الكتاب بوصفه محاولة لجسر الفجوة بين الفقه السياسي التقليدي ومتطلبات الدولة الحديثة التي تبني علاقتها بالأفراد على أساس الجنسية، لا على أساس القبيلة أو الدين فقط.

في الفصول الأولى من الكتاب، يعرض المؤلف التطور التاريخي لمفهوم الجنسية، مبينًا أن العالم لم يعرف هذا المصطلح بصورته القانونية إلا بعد نشوء الدولة القومية الحديثة، لكنه لم يلغِ في الوقت ذاته روابط الانتماء الأقدم، بل أعاد تنظيمها ضمن منظومة قانونية جديدة. ويقارن بين هذه التطورات وبين المفاهيم الإسلامية التي حددت علاقة الفرد بالدولة، سواء من خلال رابطة العقيدة أو رابطة الدار أو رابطة العقد.

ثم ينتقل المؤلف إلى بيان الأساس الشرعي الذي يمكن بناء مفهوم “الجنسية الإسلامية” عليه. ويبدأ بتوضيح أن الإسلام لا ينظر إلى الإنسان من خلال الحدود السياسية الضيقة، بل من خلال رابطة الإيمان أولًا، ثم رابطة العهد والمواطنة والإقامة. ومن هنا يبين أن الدولة الإسلامية التاريخية كانت تمنح غير المسلمين حقوقًا واضحة بالذمة أو العهد أو الأمان، وهي حالات تشبه — في مضمونها — صورًا من الجنسية أو الإقامة الدائمة في العصر الحديث، وإن اختلفت المصطلحات.

ويستعرض الكتاب اجتهادات الفقهاء القدماء والمعاصرين في تحديد علاقة المسلم بالدولة التي يعيش فيها. ويبرز المؤلف أن الشريعة تقر بحقوق غير المسلم في المجتمع الإسلامي، وترتّب عليه واجبات محددة، وهو ما يشكّل أساسًا مهمًا لفهم مفهوم “المواطنة” في الدولة الحديثة. كما يناقش المؤلف مسائل الهجرة، واللجوء، وحق الإقامة، وشرعية البقاء في دولة غير مسلمة، وكيف رتّب الفقهاء لكل حالة أحكامًا تتعلق بالحماية، والولاء، والتبعية القضائية والسياسية.

ومن الجوانب البارزة في الكتاب مناقشة حقوق صاحب الجنسية في الدولة الإسلامية، مثل حق الأمن، وحق العدالة، وحق التملك، وحق المشاركة في الحياة العامة بحسب موقعه، وحق الحماية عند التعرض للظلم. كما يعرض واجباته، مثل الالتزام بقوانين الدولة، والمشاركة في حفظ النظام العام، وعدم الإضرار بالمجتمع الذي يعيش فيه. ويظهر هنا أن المؤلف يريد التأكيد على أن الشريعة الإسلامية — رغم أنها لم تستخدم لفظ “الجنسية” — إلا أنها وضعت مضمونها وطبقت آثارها العملية عبر منظومة متكاملة.

ويتناول الكتاب كذلك أثر الجنسية على العلاقات الدولية، فيبحث في أحكام انتقال المسلم بين الدول، ومسائل الازدواج في الجنسية، وحكم تجنس المسلم بجنسية دولة غير مسلمة، وما يترتب على ذلك من التزامات. كما يبين أحكام دخول غير المسلمين إلى الدولة الإسلامية، سواء كانوا تجارًا أو مقيمين أو زائرين، ويقارن ذلك بالقوانين الحديثة التي تنظّم الإقامة والجنسية.

ويميز الكتاب بين الجنسية بوصفها رابطة قانونية تنشئ حقوقًا وواجبات، وبين القومية أو الانتماء العرقي، موضحًا أن الشريعة لا تجعل للعِرق أو النَسَب أثرًا في تحديد الحقوق السياسية أو المدنية، بل تعتمد مبدأ المساواة بين الناس على أساس التكليف والمسؤولية، وهو ما يجعل مفهوم “الجنسية الإسلامية” أوسع من الانتماء القومي الضيق وأعدل منه.

Attached Files

FileAction
الجنسية_في_الشريعة_الإسلامية_؛_د_رحيل_غرايبة_.pdf تحميل