تأملات في الدين والحياة – محمد الغزالي

في ظل حالة السيولة والتشويش التي تمر بها الأمة المسلمة في الوقت الراهن، وبخاصة جيل الشباب الذي تعرَّض لأكبر عملية تجهيل وتجريف معرفي؛ فإنه تكون من الأهمية بمكان الوقوف على الأصول المهمة في الدين، والتي تخص الأسئلة الأهم التي تُعرَض على الإنسان في حياته، مثل ماهية دوره، وكيف يعيش حياته بشكل منجزٍ وهادف، وكيف يقوم بما عليه من واجبات، والقيم الأهم التي حددها له الإسلام.

ولا يمكن بحال الحديث عن هذه الأمور، من دون أن يتم الأخذ في الحسبان، سياقات وطرائق تفكير العصر الحديث؛ عصر الرقميات، وبالتالي؛ فإنه من المطلوب نمط من الكتابة والخطاب يستند إلى حالة تنويرية وانفتاح منضبط بضوابط الشريعة الإسلامية، يوضح موقف الإسلام من المستجدات، قبل أن يعمد إلى التوجيه من خلال فضيلة النُّصْح.

والكتاب بين أيدينا، هو لأحد أهم المفكِّرين المسلمين في التاريخ المعاصر الذين اهتموا بهذه المنطقة من قضايا المسلمين، وهو الشيخ محمد الغزالي، والذي قدم آلاف المقالات حول القضايا المفاهيمية الأهم في حياة كل مسلم، والتي ينبغي أن يعرف رؤية دينه لها، وتم جمعها بين دفتَيْ أكثر من كتاب، من بينها هذا الكتاب؛ "تأملات في الدين والحياة".

الكتاب تضمن 120 مقالاً، ضمَّنها في 11 مجموعة رئيسية، تناول فيها حزمة من القضايا التي تصور أنها الأهم بالنسبة للمجتمعات المسلمة في زمننا الراهن، ورؤيته حولها.

المقالات شملت قطاعًا عريضًا من القضايا والشواغل الأم، سواء في المجال الفكري، أو المجال التطبيقي، والذي حرص الكاتب في تناوله لهذه القضايا على أن يمزج فيها بين الأساس الذي أثبتته النصوص الشرعية والممارسة النبوية والتاريخ الإسلامي، وبين تصوره لما ينبغي أن يكون عليه الواقع وفق متقضى التطورات الراهنة.

فهو يتناول قيم الحرية والصبر والكفاح، وأهمية أن يسعى الإنسان وفق منطق التخطيط السليم، إلى تحقيق أهدافه، ثم يضع أمامنا الممارسة النبوية، وكيف كانت في الدعوة والجهاد، وغير ذلك من الأمور.

ومن بين أهم القضايا التطبيقية التي تناولها، قضية فلسطين، ودقائق الصراع مع الصهاينة، وخلفيته الأوسع التي تضع المشروع الصهيوني في سياق الحركة الاستعمارية التي تستهدف الأمة بالكامل، ومتطلبات التعامل وفق هذه الرؤية.

وفي ذلك، نحا نحو المشروع الغربي لهدم الدين في أصوله الأهم، التي حرص على التأكيد عليها في كتابه، وهي الإيمان، والجهاد، والتمسك بالقرآن الكريم وتطبيق الشريعة كما أراد الله عز وجل من المسلمين.

واتصالاً بذلك، تناول قضية الاستبداد والإصلاح السياسي والمجتمعي، والطرائق الأنسب لتحقيقه، وفق المنهج التدرجي، والقواعد التي نجدها في القرآن الكريم، وفي السيرة النبوية.

وكان التركيز الأهم للكاتب في هذه الاتجاهات كافة، على قضية التربية، سواء التربية الفكرية والأخلاقية، أو التربية المجتمعية.

ولقد ركَّز الكاتب في ذلك على بعض الحوادث الكبرى من تاريخ البعثة النبوية، مثل بيعة العقبة، وغزوات ذات دلالة في صدد الرسائل التي أرادها من كتابه، مثل غزوتَيْ بدر ومؤتة، مركزًا على قضية الإعداد، وأهمية الإيمان في تقوية مركز المسلمين في أي موقف، وكيف يمكن من خلال الإعداد السليم، والإيمان الحقيقي، الانتصار ولو كانوا قِلَّة، وكيف قدَّم المسلمون الأوائل في هذا الصدد، أسمى معاني الفداء والتضحية.