دفاع عن النحو والفصحى – د. إبراهيم عوض

  • Version
  • Download
  • File Size 5.39 MB
  • File Count 1
  • Create Date 17 ديسمبر,2025
  • Last Updated 9 ديسمبر,2025

دفاع عن النحو والفصحى - د. إبراهيم عوض

يتناول كتاب «دفاع عن النحو والفصحى (الدعوة إلى العامية تطل برأسها من جديد)» للدكتور إبراهيم عوض قضية تبدو لغوية في ظاهرها، لكنها في عمقها قضية هوية وثقافة وانتماء. فالكتاب كتيّب مكثّف يردّ فيه المؤلف على موجة جديدة من الدعوات إلى إلغاء الإعراب، والتخفّف من قواعد النحو، والتوسّع في استعمال العامية في التعليم والإعلام والكتابة، بدعوى أن الفصحى صعبة والنحو معقّد ولا يصلحان لعصر السرعة.

يبدأ المؤلف بـ تمهيد يربط فيه بين حرب الأفكار على الإسلام وحربها على لغته؛ فالهجوم على الفصحى – في نظره – ليس مسألة ذوق لغوي أو تيسير تعليمي فحسب، بل هو جزء من مشروع أوسع لقطع الأمة عن كتابها وسنّة نبيّها وتراثها المكتوب. لذلك يشدّد على أن مناعة اللغة هي مناعة للدين والثقافة معًا، وأن التفريط في النحو هو تفريط في الدلالات والمعاني قبل أن يكون تبسيطًا في القواعد.

بعد ذلك ينتقل إلى الفصل الرئيس «دفاع عن النحو والفصحى» حيث يناقش بالتفصيل كتابًا معاصرًا يدعو إلى «نحو جديد» وإلى الاستغناء عن كثير من أبواب النحو والإعراب، بل يلمّح إلى إمكانية الاكتفاء بالعامية في مجالات واسعة. يعرض عوض أهم دعاوى هذا التيار: أن النحو العربي متضخّم، وأن الإعراب لا وظيفة له في الفهم، وأن القرآن نفسه – بزعمهم – خرج على قواعد النحو، وأن الحل هو إعادة كتابة القواعد أو تجاوزها. ثم يتولّى مناقشة هذه المزاعم واحدةً واحدة، موضحًا أن كثيرًا منها مبني على سوء فهم لطبيعة القواعد أو جهل بتاريخ نشأتها.

يركّز المؤلف على مركزية الإعراب في بيان المعنى؛ فيبيّن أن تغيّر الحركة في أواخر الكلمات قد يقلب المعنى رأسًا على عقب، وأن القارئ الذي لا يضبط الإعراب يعرّض النص لسوء الفهم أو التحريف. ويستحضر المؤلف شواهد من القرآن الكريم تؤكّد أن القاعدة النحوية إنما صيغت ابتداءً لوصف الاستعمال القرآني واللغوي الصحيح، لا العكس؛ فإذا ظهر تعارض بين قاعدة مأخوذة من كتب المتأخرين وبين نص قرآني، فالخطأ في القاعدة أو في طريقة صوغها، لا في لسان القرآن. بهذا الربط يرفض المؤلف بشدّة منطق من يضع «سيبويه» حَكَمًا على القرآن، ثم يزعم أن القرآن خالف قواعده.

ومن الجوانب اللافتة في الكتاب أن عوض لا يكتفي بالجدل النظري، بل يلتفت إلى الأبعاد التربوية والاجتماعية للدعوة إلى العامية وتهميش النحو. ففي بعض الصفحات يطرح سلسلة من الأسئلة الساخرة على طريقة الاستفهام الاستنكاري: لماذا كانت كرة القدم مستديرة؟ ولماذا هذه الضجة حول صعوبة الامتحانات؟ ثم يربط ذلك بالأسئلة المفتعلة حول «صعوبة النحو» ليشير إلى أن المشكلة الحقيقية في طرائق التدريس وضعف الإعداد اللغوي، لا في بنية اللغة نفسها. اللغة – في نظره – لا تتهم بالعجز لأن بعض المعلّمين أخفقوا في عرضها، تمامًا كما لا نتّهم علم الطب لأنه يُدرَّس بطريقة مملّة في بعض الكليات.

كما يبرز المؤلف البعد الحضاري للغة العربية؛ فهي الوعاء الذي استوعب العلوم والتجارب عبر قرون، وهي الرابط المشترك بين العرب في أقطارهم المختلفة. والتخلّي عن الفصحى لصالح العاميات المتفرّقة يعني تشتيت الوجدان وجعل كل قطر يعيش في جزيرته اللغوية المنعزلة، بينما القرآن والسنّة والتراث العلمي كلّه مكتوب بالفصحى المعرَبة. من هنا تأتي حساسية المؤلف تجاه الدعوة إلى العامية؛ فهي ليست تيسيرًا بل تهديدًا لوحدة اللسان والمرجع.

وفي سياق دفاعه عن النحو، يعيد عوض التذكير بأن علم النحو لم يُنشأ ترفًا ذهنيًا، بل نشأ لحماية النص القرآني من اللحن والتحريف، ثم تطوّر لضبط الكلام العربي كله. لذلك فهو يدعو إلى تطوير طرائق تدريسه وتبسيط عرض مسائله، مع الحفاظ على جوهره وضوابطه، لا إلى هدمه من الأساس أو استبدال العامية به. ويقدّم نموذجًا في كتابه لخطاب علمي يجمع بين الغيرة على الدين واللغة وبين النقاش الحجاجي الهادئ القائم على النصوص والشواهد.

باختصار، هذا الكتاب رسالة قصيرة حادّة النبرة في بعض المواضع، لكنها مركّزة في هدفها: حماية النحو والفصحى من موجة جديدة من التشكيك، وإعادة تذكير القارئ بأن صيانة اللغة ليست مهمة اللغويين وحدهم، بل هي جزء من مسؤولية أمةٍ كتابها المقدّس نزل بهذا اللسان المبين.

Attached Files

FileAction
6awad.pdf تحميل