- Version
- Download 84
- File Size 1.88 MB
- File Count 1
- Create Date 16 يوليو,2025
- Last Updated 12 يوليو,2025
في القدس - تميم البرغوثي
قصيدة "في القدس" للشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي ليست مجرد نص شعري، بل هي وثيقة شعرية مفعمة بالهوية، تتجاوز الوصف إلى التجربة، وتنتقل من الخاص إلى العام، من المشاهدة الفردية إلى المعنى الجمعي. في هذه القصيدة، يرسم البرغوثي لوحةً شعرية مركبةً لمدينة القدس، يمزج فيها بين السرد الحي، والتأمل الذاتي، والموقف الوطني، والرؤية الحضارية، في بناء شعري فريد يعتمد على السرد التراكمي والتصعيد الشعوري.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد بسيط: فلسطيني يحاول دخول المدينة المقدسة عبر الحاجز الإسرائيلي. يصف الضابط، ويتأمل ملامحه، ويتحدث عن التفتيش والعنصرية والعداء الكامن في الأوامر العسكرية، لكنه يتجاوز كل ذلك ليصل إلى عمق أكبر: "في القدس، أعني داخل السور القديم"، حيث تبدأ الرحلة الحقيقية. الرحلة هنا ليست مادية بل روحية ووجودية، بين الزمن والتاريخ، بين الحاضر والذاكرة، بين ما هو مرئي وما هو متخفٍّ تحت الركام.
ينتقل الشاعر من الحاجز إلى داخل المدينة، ويتأمل سكانها: اليهود، الأرمن، الروم الأرثوذكس، الحجاج، الجنود، الشيوخ، الأطفال، العرب، والأجانب. يراهم جميعًا وكأنهم مشهد استعراضي، لكنه يتساءل عن الغائب الأكبر: المقدسي الفلسطيني، ذاك الذي لا يراه أحد، لا يذكره أحد، مع أنه ساكن في الحجر والتراب. يرسم تميم مشهدًا لمدينة متعددة، لكنه يؤكد أن من يعطيها المعنى هم أبناؤها، الذين حُرموا منها، والذين لا يذرفون الدموع بل يعيشون الحصار والصمت والنسيان.
في ذروة التأمل، يظهر الحاجز من جديد، لا كرمز أمني فقط، بل كحاجز وجودي: الشاعر يُمنع من دخول المسجد الأقصى بسبب هويته الفلسطينية، رغم أنه وصف القدس كما لم يفعل سواه، وكتب عنها كما يكتب المؤمن عن قبلته. هذه المفارقة هي جوهر القصيدة: أنتَ لا تدخل القدس بالحب، بل بالتصريح، ولا بالانتماء، بل بالموافقة الأمنية. وهنا تكمن مأساة الإنسان الفلسطيني.
لغة القصيدة تتميز بكونها قريبة من النفس، مشحونة بالعاطفة، مؤطرة بثقافة واسعة، لا ترفع شعارات، لكنها تحمل خطابًا سياسيًا هادئًا وعميقًا. القصيدة قائمة على المفارقة والدهشة والسخرية الرقيقة، وتسير على إيقاع شعري متدفق يحافظ على وحدة البناء رغم طوله النسبي.
هذه القصيدة ليست فقط مرثية لمدينة، بل كشفٌ للزيف، وتثبيتٌ للحق، واستعادةٌ للإنسان في قلب المكان. إنها دعوة لأن نعيد تعريف القدس لا كما يراها المحتل أو السائح، بل كما يعيشها أبناؤها الحقيقيون.
Attached Files
| File | Action |
|---|---|
| تميم البرغوثي - في القدس.pdf | تحميل |